قوله: (وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ وَأَثْقالًا مَعَ أَثْقالِهِمْ)] العنكبوت: ١٣ [؟ قلت: تلك الآية في الضالين المضلين، وأنهم يحملون أثقال إضلال الناس مع أثقال ضلالهم، وذلك كله أوزارهم ما فيها شيء من وزر غيرهم، ألا ترى كيف كذبهم الله تعالى في قولهم: (اتَّبِعُوا سَبِيلَنا وَلْنَحْمِلْ خَطاياكُمْ)] العنكبوت: ١٢ [بقوله: (وَما هُمْ بِحامِلِينَ مِنْ خَطاياهُمْ مِنْ شَيْءٍ)] العنكبوت: ١٢ [؟ فإن قلت: ما الفرق بين معنى قوله: (وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى) وبين معنى (وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلى حِمْلِها لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ)؟ قلت: الأول في الدلالة على عدل الله تعالى في حكمه، وأنه تعالى لا يؤاخذ نفسًا بغير ذنبها، والثاني: في أن لا غياث يومئذ لمن استغاث، حتى أن نفسًا قد أثقلها الأوزار وبهظتها، لو دعت إلى أن يخفف بعض وقرها لم تجب ولم تغث، وإن كان المدعو بعض قرابتها من أب أو ولد أو أخ. فإن قلت:.......
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قولُه: (ما الفرْقُ بين معنى قولِه: ﴿وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ﴾) إلى آخره، توجيهُ السؤالِ أن يُقال: إذا كان معنى الأول: أنّ النفوسَ الوازراتِ لا ترى منهنَّ واحدةً إلا حاملةً وِزْرَها لا وِزْرَ غيرِها، وكان معنى الثاني: أنَّ النفسَ المُثقلَة بذنوبِها إن تَدْعُ نَفْسًا أخرى وندبت إلى حْمْلِها لا تحمِلُ ثِقَلَها رجعا إلى معنى واحد، فما الفرق؟
وأجاب: أنّ المقصودَ في الإيراد مفهومُهما وإظهارُ وصفَيْن من أوصافِ بارئِهما، دلَّ الأول على ظهورِ عَدْلِ الله، والثاني على ظهورِ الهيبةِ والجلال على طريقِ الكناية، كقولِه تعالى: ﴿لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِندَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ﴾ [البقرة: ٢٥٥]، والمقام يَقْتضيه، لأنه لما قيل: ﴿إِن يَشَا يُذْهِبْكُمْ وَيَاتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ﴾ إظهارًا لغضبِه على المشركين، وأنه لا أحدَ يمنَعُهم من إمضاءِ قَهْرِه عليهم، وأتبَعَه بذكَرِ أهوالِ يومِ القيامة، فدَلَّ قولُه: ﴿وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى﴾ على عَدْلِه وأنه إن أهلكَهم فبشُؤم عَملِهم: مِنْ كفرِهم بآياتِ الله واتخاذِهم له أندادًا، لأنّ مِنْ شأنِ عَدْلِه عزَّ وجلَّ أن لا يؤاخِذَ نفسًا إلا بذَنْبِها لا بذَنْبِ غيرِها، ومِنْ شأنِ عِزَّتِه أن لا يمنَعَه أحد عند صَدماتِ جلاله عما أراد وشاء، وإليه الإشارةُ بقوله: ((﴿بِعَزِيزٍ﴾: بممتنع)).


الصفحة التالية
Icon