ضمير في الفعل بخلاف ما أوردته. (بِالْغَيْبِ) حال من الفاعل أو المفعول، أى: يخشون ربهم غائبين عن عذابه، أو يخشون عذابه غائبًا عنهم. وقيل: بالغيب في السر. وهذه صفة الذين كانوا مع رسول الله ﷺ من أصحابه، فكانت عادتهم المستمرّة أن يخشوا الله، وهم الذين أقاموا الصلاة وتركوها منارًا منصوبًا وعلمًا مرفوعًا، يعنى: إنما تقدرعلى إنذار هؤلاء وتحذيرهم من قومك، وعلى تحصيل منفعة الإنذار فيهم دون متمرّديهم وأهل عنادهم. (وَمَنْ تَزَكَّى): ومن تطهر بفعل الطاعات وترك
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بَعْضَ ذُنوبي، فيقول: لا أستطيعُ حَسْبي ما عليّ. إذ لو قلت: إنْ تدْعُ النفسُ المثقلةُ إلى تخفيفِ ما عليها لا تجد أحدًا يُساعده، ولو وُجدَ ذا قُرْبى لا يحسُنُ ذلك الحُسْن.
قولُه: (بخلافِ ما أوْرَدْتُه)، يعني: في قولِه: ﴿وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ﴾ [البقرة: ٢٨٠]، و ((ما)) في ((ما ساغَ)) بمعنى: الذي. قيل: وفيه نَظَر، لأنه يجوزُ أن يُقال: وإن كان الغَريمُ ذا عُسْرةٍ لدلالةِ السياق. نعَمْ يصحُّ أن يُقال: الإضمارُ هاهنا أوْلى لدلالِة ((إن تَدْعُ)) على المدعوِّ، بخلافِه ثَمَةَ، لأنه ليسَ في اللفظِ ما يدلُّ على الغريمِ، ولذلك لم يُقْرا في المشهورةِ هنا بالرفعِ وهُناكَ بالنصب.
وعن بعضِهم: المعنى أنَّ مُسوِّغَ الاستتارِ هاهنا بخلافِ المُسوِّغ في ﴿وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ﴾ [البقرة: ٢٨٠]، لأنه هاهنا جُملةٌ اعتراضية فارتبطَتْ بما قبْلَها، وفي تلك مُنقطعةٌ عما قَبْلها، بدليلِ ذكْرِ جوابِه لفظًا وهو ﴿فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ﴾ [البقرة: ٢٨٠].
قولُه: (إنّما تَقْدِرُ على إنذارِ هؤلاء [وتحذيرهم] مِن قومِك.... دون متمرِّديهم)، إشارةٌ إلى أنّ بيانَ مواقع استعمالِه، لأن ((إنّما)) يُستعملُ في حُكْمٍ لا يُعْوِزُ تَحْقيقُه، ولا يخفى على مَنْ به مُسْكة أنّ الإنذارَ إنما يكون إنذارًا ويكون له تأثير إذا كان مع من يؤمن بالله والبعثِ والقيامةِ وأهوالِها، لا مع غَيْرِه.
وبيانُه: أنه تعالى لما أظهرَ غَضَبَه على من اتَّخَذ من دونِ الله أندادًا بقوله: {إِن يَشَأ


الصفحة التالية
Icon