الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ مثل للكافر والمؤمن -كما ضرب البحرين مثلًا لهما- أو للصنم والله عزّ وعلا،.....
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قولُه: (الأعمى والبصيرُ مَثَلٌ للكافرِ والمؤمنِ.... أو للصَّنَمِ والله عزَّ وجل)، أي: يجوزُ أن يكونَ المُشبَّهُ بالأعمى الكافر وأن يكونَ الصنم، وأن يكونَ المُشبَّهُ بالبصيرِ المؤمنَ، وأن يكون الله تعالى، فعلى الأول: التمثيلُ مردودٌ على التمثيلِ الأوّلِ، أي: قولِه: ﴿وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ﴾، وإليه الإشارة بقولِه: ((كما ضربَ البحرَيْن مَثَلاً لهما))، وعلى الثاني: مَلْزوزٌ في قَرَنِ قولِه تعالى: ﴿ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ﴾، والأولُ أجرى على تأليفِ النظم، فإنّه شَبَّه أوّلاً منْ آمنَ بالبحرِ العَذْبِ والكافرَ بالمِلحِ الأُجاجِ وبَيَّن فيه عَدَمَ الاستواء، ثم نَبَّه أنّ الكافرَ أدْوَنُ حالاً من البحرِ المِلْحِ بقوله: ﴿وَمِن كُلٍّ تَاكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا﴾ الآية، لأن فيه منافعَ جَمّةً والكافِرُ خلْوٌ من النفع، ثم أتى بتمثيلٍ آخرَ، فشَبَّههما بالأعمى والبصيرِ في الضلالِ والاهتداءِ وشَبَّه ما يَرْدِفُهما من متابعةِ الحقِّ التي تورِثُ المؤمنَ الثوابَ ومن الذهاب إلى الباطلِ الذي يؤدِّي الكافرَ إلى العقاب ببالظلماتِ والنورِ والظلِّ والحَرور، ثم جَعل كُلاًّ من التمثيلَيْن تمهيدًا وتوطئةً لقوله: ﴿وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ﴾؛ لأن المراد بالأحياء: المؤمنون الذي دخَلوا في دارِ السلام، وانتفعوا بدَعْوةِ نبيِّ الرحمةِ صلواتُ الله عليه، وبالأموات: الذين يُقُوا خارجينَ عن دارِ أمانِ الدعوة، ولم يرفعوا لها رأسًا وأصرُّوا واستكبروا، وإليه الإشارةُ بقوله: ((والأحياءُ والأموات مثَلٌ للذينَ دَخلوا في الإسلامِ والذينَ لم يدخلوا فيه وأصَرُّوا على الكفر)).
وفُهِمَ من هذا التقرير: أنّ التعريفَ في قوله: ﴿وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ﴾ وفي قوله: ﴿وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ﴾ للجنسِ، وفي ﴿وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ﴾ للعهد، وأن المقصودَ الأوْلى في الإيرادِ هذا التمثيلُ الثالث، ولهذا كرَّرَ ﴿وَمَا يَسْتَوِي﴾، وأكَّدَ النفيَ بتكريرِ ((لا))، وعلَّلَه بقوله: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَن يَشَاءُ وَمَا أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَّن فِي الْقُبُورِ﴾ مُسَلِّيًا لرسولِ الله ﷺ وإقناطًا له من إيمانِ المُصرِّين وإيذانًا بأنَّ الهادي والمُضِلَّ هو الله سبحانه وتعالى. يعني: أنّ


الصفحة التالية
Icon