والظلمات والنور والظنّ والحرور: مثلان للحق والباطل، وما يؤدّيان إليه من الثواب
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الذي تعلّقَتْ مشيئةُ الله وإرادتُه بإسلامِه كالأحياءِ فانتفَع بدعوتِك وانتجَعَ فيه وعظُك، ومَنْ تعلّقتْ مشيئتُه بضلالتِه كالموتى فلا ينتفعُ بوَعْظِك، فكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِما خُلِقَ له، فلا تتهالكْ أنت في إسلامِ مَنْ يُريدُ الله إضلالَه فما أنْتَ بمُسمِعٍ للموتى.
هذا تقريرٌ واردٌ على مذهبِ أهلِ السنّة، وهو ظاهرٌ مطابقٌ للآية.
وأما المصنِّفُ فأرادَ بقَوْله: ((فَيهْدي الذي قد عَلِم أنّ الهدايةَ تنفَع فيه، ويخذلُ مَنْ علِمَ أنها لا تنفعُ فيه)) تقريرَ مَذْهبِه، وهو كما ترى مُتَعَسَّفٌ من حيثُ النظمُ، على أنه يؤدِّي إلى أن تكونَ مشيئةُ الله تابعةً لفعْلِ العبد.
وقال القاضي: ﴿وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ﴾ تمثيلٌ آخرُ للمؤمنين والكافرين، أبلَغُ من الأول، ولذلك كَرَّر الفعْلَ. وقولُه: ﴿وَمَا أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَّن فِي الْقُبُورِ﴾ ترشيحٌ لتمثيلِ المُصرّين على الكفرِ بالأمواتِ ومبالغةٌ في إقناطِه عنهم.
وقلت: في التمثيلاتِ الثلاثِ تَرَقٍّ من الأهونِ إلى الأغلظِ وفي كلِّ مِنهما تفريعٌ على الأصل: بَنى على البحرين اللحمَ الطريَّ وجَرَيانَ الفُلْك وعلى الأعمى والبصير: الظلماتِ والنور وعلى الأحياءِ والأموات: استماعَ الحقِّ وعدَمَه.
قولُه: (والظلماتُ والنورُ والظلُّ والحَرورُ: مَثَلان)، اعلَمْ أنّ ((لا)) في: ﴿وَلَا النُّورُ﴾ ﴿وَلَا الْحَرُورُ﴾ مَزيدة، لأن المعنى: الظلماتُ لا تُساوي النور، وليس المرادُ أن النورَ في نفسِه لا يَسْتوي، وكذلك في: ﴿وَلَا الْأَمْوَاتُ﴾، قال في قوله تعالى: ﴿وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ﴾ [فصلت: ٣٤]: إن الحسنةَ والسيئةَ مُتفاوتتانِ في أنفُسِهما، فخَذْ بالحسنةِ التي هي أحسَنُ من أختها، وقيل: ((لا)) مَزيدة، والمعنى: ولا تَسْتوي الحسنةُ والسيئة، وهنا ليسَ المعنى: على


الصفحة التالية
Icon