والعقاب. والأحياء والأموات: مثل للذين دخلوا في الإسلام والذين لم يدخلوا فيه، وأصروا على الكفر. والحرور: السموم؛ إلا أنّ السموم تكون بالنهار، والحرور بالليل والنهار. وقيل: بالليل خاصة. فإن قلت: "لا" المقرونة بواو العطف ما هي؟ قلت: إذا وقعت الواو في النفي قرنت بها؛ لتأكيد معنى النفي. فإن قلت: هل من فرق بين هذه الواوات؟ قلت: بعضها ضمت شفعًا إلى شفع، وبعضها وترًا إلى وتر. (إِنَّ الله يُسْمِعُ مَنْ يَشاءُ): يعنى أنه قد علم من يدخل في الإسلام ممن لا يدخل فيه، فيهدى الذي قد علم أنّ الهداية تنفع فيه، ويخذل من علم أنها لا تنفع فيه. وأمّا أنت فخفى عليك أمرهم؛ فلذلك تحرص وتتهالك على إسلام قوم من المخذولين، ومثلك في ذلك مثل من لا يريد أن يسمع المقبورين وينذر، وذلك ما لا سبيل إليه، ثم قال: (إِنْ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أنّ الأحياءَ والأمواتَ مثلاً متفاوتان فَمِنْ مَيِّتٍ أدْوَنُ حالاً من مَيِّت، وحيٍّ أرفَعُ منزلةً من حَيّ، فتُحمَلُ على مُجرَّدِ التأكيد.
فإن قُلْتَ: فلم أُخْلِيَتِ القرينةُ الأولى وهي الأعمى والبصيرُ من التوكيد؟
قلتُ: هي كالتوطئةِ لذكْرِ ﴿وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ﴾، ولذلك أُعيد ﴿وَمَا يَسْتَوِي﴾، وعُلِّل بقوله: ﴿إنَّ اللهَ يُسْمِعُ﴾ الآية، وأما القرينتانِ المُتوسِّطتان فهما مَقْصودان أيضًا، لأنهما مَثَلانِ للحقِّ والباطل وما يُؤدِّيان إليه من الثوابِ والعقاب.
قولُه: (ضَمَّت شَفْعًا إلى شَفْعٍ)، أما التي ضَمَّتِ الشَّفْعَ فهي الواوات في: ﴿وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ * وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ * وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ * وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ﴾، وأما التي ضَمَّتِ الوِتْرَ فهي التي توسَّطَتْ بين الضِّدَّيْن.
قولُه: (فيَهْدي الذي قد عَلِمَ أنَّ الهدايةَ تنفَعُ فيه، ويَخْذِلُ من عَلِمَ أنها لا تنفَعُ فيه)، هذا التقريرُ يهدِمُ قاعدةَ الاعتزال، لأنَّ خِلافَ علْمِ الله محالٌ وقوعُه، فلا يصدُرُ عنه إلا ما عَلِمَ الله تعالى صدورَه عنه، فإذن لا اختيارَ له فيه.


الصفحة التالية
Icon