أَنْتَ إِلَّا نَذِيرٌ) أى: ما عليك إلا أن تبلغ وتنذر، فإن كان المنذر ممن يسمع الإنذار نفع، وإن كان من المصرين فلا عليك. ويحتمل أنّ الله يسمع من يشاء وأنه قادر على أن يهدى المطبوع على قلوبهم على وجه القسر والإلجاء، وغيرهم على وجه الهداية والتوفيق، وأما أنت فلا حيلة لك في المطبوع على قلوبهم الذين هم بمنزلة الموتى.
[(إِنَّا أَرْسَلْناكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلاَّ خَلا فِيها نَذِيرٌ)] ٢٤ [
(بِالْحَقِّ) حال من أحد الضميرين، يعنى: محقًا أو محقين، أو صفة للمصدر، أى: إرسالًا مصحوبًا بالحق، أو صلة لبشير ونذير على: بشيرًا بالوعد الحق، ونذيرًا بالوعيد الحق. والأمّة: الجماعة الكثيرة. قال الله تعالى: (وجد عليه أمّة من الناس)] القصص: ٢٣ [، ويقال لأهل كل عصر: أمّة، وفي حدود المتكلمين: الأمّة: هم المصدقون بالرسول دون المبعوث إليهم، وهم الذين يعتبر إجماعهم، والمراد هاهنا: أهل العصر. فإن قلت: كم من أمّة في الفترة بين عيسى ومحمد عليهما السلام ولم يخل فيها نذير؟ قلت: إذا كانت آثار النذارة باقيةً لم تخل من نذير إلى أن تندرس، وحين اندرست آثار نذارة عيسى بعث الله محمدًا صلى الله عليه وسلم. فإن قلت: كيف اكتفى بذكر النذير عن البشير في
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قولُه: (ويُقال لأهلِ كُلِّ عَصْر أمّة)، قال التُّورِبِشْتيُّ- في شَرْحِ قولِه صلى الله عليه وسلم: ((والذي نَفْسُ محمَّدٍ بيدِه، لا يسمَعُ بي أحدٌ من هذه الأمة؛ يَهوديٌّ ولا نَصْرانيٌّ ثم يَموتُ، ولم يؤمِنْ بالذي أُرْسِلْتُ به، إلا كانَ من أصحابِ النار)). رواه مسلم عن أبي هريرة-: الأمّة: كلُّ جماعةٍ يجمَعُهم أمر؛ إمّا دينٌ واحدٌ أو دَعوةٌ واحدة أو طريقةٌ واحدة أو زَمانٌ واحدٌ أو مكانٌ واحد. وأرادَ به هاهنا الجماعةَ التي يجمَعُها زمانُ الدعوةِ إلى الشريعةِ الحنيفية؛ لأنه أدخَلَ في جُملتِهم اليهودَ والنصارى. وعلى هذا يدخُلُ فيها كلُّ ما تنتهي إليه الدعوةُ من أهلِ الملَلِ الزائغةِ والأديانِ الباطلة، وخُصَّت اليهودُ والنصارى لخُصوصيةٍ فيهم.


الصفحة التالية
Icon