آخر الآية بعد ذكرهما؟ قلت: لما كانت النذارة مشفوعةً بالبشارة لا محالة، دلّ ذكرها على ذكرها، لا سيما وقد اشتملت الآية على ذكرهما.
[(وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ وَبِالزُّبُرِ وَبِالْكِتابِ الْمُنِيرِ (٢٥) ثُمَّ أَخَذْتُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ)] ٢٥ - ٢٦ [
(بِالْبَيِّناتِ): بالشواهد على صحة النبوّة، وهي المعجزات (وَبِالزُّبُر): ِ وبالصحف، (وَبِالْكِتابِ الْمُنِير) نحو التوراة والإنجيل والزبور. لما كانت هذه الأشياء في جنسهم أسند المجيء بها إليهم إسنادًا مطلقًا، وإن كان بعضها في جميعهم؛ وهي البينات، وبعضها في بعضهم؛ وهي الزبر والكتاب. وفيه مسلاة لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قولُه: (لما كانَت هذه الأشياءُ في جنْسِهم أَسندَ المجيءُ بها إليهم إسنادًا مطلقًا)، يريدُ أنّ قولَه: ﴿جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالزُّبُرِ﴾ مِن قَبيل: بنو فُلانٍ قَتلوا فلانًا، وإنما القاتلُ رجلٌ منهم.
قولُه: (وفيه مَسْلاةٌ)، أي: في قولِه: ﴿إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ﴾ إلى آخره قولِه: ﴿ثُمَّ أَخَذْتُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ﴾ بعد قوله: ﴿وَمَا أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَّن فِي الْقُبُورِ﴾ المعنى: أعرِضْ عن هؤلاء المصرِّين المُعانِدين ولا تحرِصْ ولا تتهالَكْ على هداهُم، إن أنتَ إلا نَذيرٌ وما عليك إلا أن تُبلِّغَ وتُنْذِر، فإن أصرُّوا فلا عليك، وكذلك دأبُ الأممِ السالفةِ مع أنبيائِهم الماضية ﴿وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ﴾، فجيءَ بقولِه: ﴿إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا﴾ توطئةً لقولِه: ﴿وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ﴾ وأقحَمَ بشيرًا مزيدًا للتسلية وتتميمًا وصيانةً عن توهُّمِ أنه مقصورٌ على النِّذارةِ كقَوْلِه تعالى: ﴿وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ﴾ في قوله: ﴿إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ﴾ [المنافقون: ١]، وحينئذ لا يُفْتقَرُ إلى ذكْرِ البشيرِ مشفوعًا مع النذير في قولِه: ﴿وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ﴾ وأيضًا فيه: أنّ الناسَ لتَماديهم في الضلالِ والغفلةِ وتهالُكِهم


الصفحة التالية
Icon