الطرائق والخطوط الواضحة المنفصل بعضها من بعض. وقرئ: (والدواب) مخففًا، ونظير هذا التخفيف قراءة من قرأ: (ولا الضألين)؛ لأنّ كل واحد منهما فرار من التقاء الساكنين؛ فحرك ذاك أوّلهما، وحذف هذا آخرهما. وقوله: (كَذلِكَ) أى: كاختلاف الثمرات والجبال.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (﴿كَذَلِكَ﴾ أي: كاختلافِ الثمراتِ والجبال)، يعني: الكافُ نَصْبٌ على المَصدَر، والأظهرُ أنه رفعٌ على الخبر، والإشارةُ بـ ((ذلك)) إلى المذكورِ من الدلائل في هذه الآيةِ وحدَها، ويكونُ قولُه: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾ مَقطَعًا لهذه الآية، ونظيرُ ((ما)) قولُه تعالى: ﴿وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُّتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِّنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾.
فإن قلت: لِمَ خُولِفَ بينَ المَقطَعَين؟ قلت: ما نحنُ فيه أبسَطُ وأجمَعُ من تلك الآية، لأنّ فيها ذِكرَ الثمارِ والجبالِ والناسِ والدَّوابِّ والأنعام واختلافِها، وهي مختصّةٌ بالثمرات، وصُدِّرَت هذه الآيةُ بهمزة الاستفهام وحرفِ النفي لإفادةِ مَزيدِ التقرير، وبالخطابِ العامِّ لئلاّ تختصَّ الرؤيةُ براءٍ دونَ لفَخامةِ الأمر، ثم قُرِّرَ هذا المعنى في أثنائهما بقوله: ﴿كَذَلِكَ﴾، أي: الأمرُ كما ذكرت، كأنه تعالى يقول: هذه الأشياءُ كلُّها مُتساويةٌ في الجِسْميّة، واختِلافُ أنواعِها ثم اختِلافُ كُلٍّ منها بما خُصَّ به من الأصنافِ لا بُدَّ لهُ من قادرٍ مُختارٍ قاهرٍ يَتَصرَّفُ في مُلكِهِ كيفَ يشاء. وهذا ظاهرٌ جليٌّ عندَ كُلِّ ذي مُسْكة، فمَن أنكرَ ذلك وقالَ بالإيجاب فهو مُعانِدٌ جاهلٌ لم يخشَ الله، وإن جمعَ أسفارَ الحِكَم، ومَن أنصفَ وسلكَ السَّبيلَ المُستقيمَ وخشيَ الله فهو عالِمٌ جِدُّ عالم، فحينَئذٍ من أينَ اختصَّ ﴿الْعُلَمَاءُ﴾ بالعُلماءِ العَدْليّة؟ ! عفا اللهُ عنه.
فإن قلت: لِمَ لا تجعلُ ﴿كَذَلِكَ﴾ نَصْبًا على المَصدَر، كما ذهبَ إليه المُصنِّف؟ قلت: لقِلّةِ جَدْواه، وعلى ما ذهبنا إليه تصيرُ جُملةً مُقرِّرةً لِمَا في شأنِهِ الاهتمامُ على ما مَرّ، ويكونُ موقعًا للسُّؤالِ على الاستئِناف، يعني: إذا كان الأمرُ ظاهِرًا لكُلِّ أحدٍ كما ذكرت، فلِمَ


الصفحة التالية
Icon