والمراد: العلماء به الذين علموه بصفاته وعدله وتوحيده، وما يجوز عليه وما لا يجوز، فعظموه وقدروه حق قدره، وخشوه حق خشيته، ومن ازداد به علمًا ازداد منه خوفًا،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
اختَصَّ العُلماءُ بالذِّكرِ دونَ غيرهم؟ أُجيب: لخشيةِ هؤلاء وإنصافِهم، ولعِنادِ أولئك وعَدَم خشيتهم.
وتلخيصُه: أنّ المذكورَ إنْ لم يَدُلَّ على ذلك بالتصريح، يَدُلُّ عليه بالتعريض.
قولُه: (العلماءُ الذين عَلِموا بصفاتِه وعَدْلِه وتوحيدِه وما يجوزُ عليه وما لا يَجوز)، اعلم أنه تعالى كما جعلَ مقطعَ التمثيلِ الأولِ قوْلَه: ﴿إِنَّمَا تُنذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالْغَيْبِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَمَن تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ﴾، جعلَ مقطعَ هذَيْن التمثيلَيْن بقوله: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ﴾ والمُشارُ إليه بقوله: ﴿كَذَلِكَ﴾ جميعُ ما سبقَ من البياناتِ والإنذاراتِ الكافيةِ، أي: الأمرُ كما ذُكِرَ لكن إنما ينجَعُ فيمن خَشِيَ الرحمنَ بالغيب، كقوله: ﴿إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرُ مَن يَخْشَاهَا﴾ [النازعات: ٤٥]، فوضَعَ موضعَه ((العلماءَ)) تعريضًا بجَهْلِ الكَفَرة، وجَهْلِ مَنْ يَدَّعي العِلْمَ ولم يَخْشَ الله تعالى، وتَنْويهًا برِفْعةِ منزلةِ العلماءِ العاملينَ المحقِّقين، وإليه أشارَ بقوله: ((مِثْلُك ومَنْ على صِفَتِك)). ثم الآيةُ كالتخلُّصِ من ذكْرِ أعداءِ الدينِ إلى ذكْرِ الأولياءِ من المؤمنين التالينَ كتابَه آناءَ الليلِ وأطرافَ النهار، المقيمينَ الصلاة والمُنْفقينَ أموالَهم سِرًّا وعلانيةً، ومع ذلك يَرْجون رحمةَ الله، ويأمَلون أن يُوَفِّيَهم أجورَهم ويزيدَهم مِنْ فَضْلِه، ولا يُوجبونَ على الله شيئًا بأعمالِهم، ولا يَقطعون بشيءٍ من ذلك، وكذلك لا يحكمُمون على الظالم لنفسِه والمُقْتَصدِ بالوعيدِ وكونِهما من أصحابِ النار، ولهذا فُصِلَتْ الآيةُ بقَولِه: ﴿إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ﴾ لأنه كالتعليلِ للكلامِ السابق، أي: أنه تعالى عزيزٌ غالبٌ يفعَلُ ما يَشاءُ في مُلْكِه لا أحدَ فوْقَه يوجبُ عليه شيئًا، فالعمالُ يَعْملونَ ويأملونَ أن يُوَفّيهم أجورَهم، والظالمُ لنفسِه يرجو الغُفْران ولا يقطَعُ بالدمار، لأنه تعالى بليغُ الغُفْرانِ والرحمة.


الصفحة التالية
Icon