ومن كان علمه به أقل كان آمن. وفي الحديث: «أعلمكم بالله أشدّكم له خشية»، وعن مسروق: كفى بالمرء علمًا أن يخشى، وكفى بالمرء جهلًا أن يعجب بعلمه. وقال رجل للشعبى: أفتنى أيها العالم، فقال: العالم من خشي الله. وقيل: نزلت في أبى بكر الصديق رضى الله عنه وقد ظهرت عليه الخشية حتى عرفت فيه. فإن قلت: هل يختلف المعنى إذا قدّم المفعول في هذا الكلام أو أخر؟ قلت: لا بدّ من ذلك؛ فإنك إذا قدمت اسم الله وأخرت (العلماء) كان المعنى: أنّ الذين يخشون الله من بين عباده هم العلماء دون غيرهم، وإذا عملت على العكس انقلب المعنى إلى أنهم لا يخشون
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قولُه: (وفي الحديثِ: ((أعلمُكُم بالله أشدُّكُم [له] خَشْيةً)))، ورَوَينا عن الدراميِّ عن عطاءٍ قال: قالَ موسى عليهِ السلام: يا رَبِّ أيُّ عبادِكَ أحكَم؟ قال: الذي يحكُمُ للناسِ كما يحكُمُ لنفسِه. قال: يارَبّ، أيُّ عبادِكَ أغنى؟ قال: أرْضاهُم بما قَسمْتُ له. قال: يارَبّ، أيُّ عبادِكَ أغنى؟ قال: أرْضاهُم بما قَسمْتُ له. قال: يارَبّ، أيُّ عبادِكَ أخْشى؟ قال: أعلَمُهم بي.
قولُه: (وإذا عملتَ على العكس انقلب المعنى)، وذلك أن ((إنّما)) فرْع ((ما)) و ((إلاّ))، وفي الأصلِ: الحَصْرُ أبدًا في ((ما)) يلي ((إلا))، وفي الفرعِ الحَصْرُ في الجُزْءِ الأخيرِ، فقولهُ تعالى: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾ فَرْعُ ((ما يَخْشى اللهَ من عبادِه إلا العلماء))، وهو يَقْتضي انحصارَ خَشْيةِ الله على العلماءِ دونَ غيرِهم، وقولُك: إنّما يخشى العلماءُ من عبادِه اللهَ، فَرْعُ قولِك: ما يخشى العلماءُ من عبادِه إلا الله، فيلزَمُ انحصارُ خَشْيةِ الله دونَ غيرِه.
قال الشيخ عبدُ القاهر رحِمَه الله: لما كان الغرضُ من الآيةِ بيانَ الخاشينَ والإخبارَ بأنَّهم العلماءُ خاصّة دون غيرِهم قَدّم اسمَ ((الله)) على ((العلماء))، ولو أُخِّرَ منه لصارَ المعنى على ضِدِّ ما عليه وهو: أنَّ الغرضَ بيانُ المَخْشيِّ والإخبارُ بأنه تعالى دونَ غيره، وهذا المعنى الأخيرُ وإن كان قد جاءَ في التنزيل قال تعالى: ﴿وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ﴾ [الأحزاب: ٣٩]، لكن ليس


الصفحة التالية
Icon