إلا الله، كقوله تعالى: (وَلا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا الله)] الأحزاب: ٣٩ [، وهما معنيان مختلفان. فإن قلت: ما وجه اتصال هذا الكلام بما قبله؟ قلت: لما قال: (أَلَمْ تَرَ) بمعنى ألم تعلم (أن الله أنزل من السماء ماء)، وعدد آيات الله وأعلام قدرته وآثار صنعته وما خلق من الفطر المختلفة الأجناس، وما يستدل به عليه وعلى صفاته، أتبع ذلك (إِنَّما يَخْشَى الله مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ)، كأنه قال: إنما يخشاه مثلك ومن على صفتك ممن عرفه حق معرفته وعلمه كنه علمه. وعن النبي صلى الله عليه وسلم: «أنا أرجو أن أكون أتقاكم لله وأعلمكم به»
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هذا الغرضَ هاهنا، ولا اللفظُ يحتمِلُ له التبّةَ، ومَنْ أجاز حَمْلَها عليه كأنه قد أبطَل فائدةَ التقديمِ وسَوّى بين الكلامَيْن، فإذَنْ يلزَمُ أن يُسوِّيَ بين قولنا: ما ضربَ عَمْرو وإلا زيدًا وما ضرَبَ زيدًا إلا عَمْرٌو وذلك مما لا شُبْهَةَ في امتناعه.
وقلتُ: قولُه: ((لكن ليسَ هو الغرضَ هاهنا))، معناه: أنَّ اقتضاءَ المقامِ يوجبُ بيانَ الخاشين والإخبارَ بأنهم العلماءُ خاصّةً دونَ غيرِهم ليكون تعريضًا بالمُنذَرين المصرِّين على العنادِ والكفر وأنَّهم جهلاءُ بالله وبصفاته، ولذلك لا يخشَوْن الله ولا يخافون عقابَه، ولو قلتَ: ما يخشى العلماءُ من عبادهِ إلا الله لم يكن من التعريضِ في شيء والمقامُ يَقْتضيه، أما قولُه تعالى: ﴿وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ﴾ [الأحزاب: ٣٩]، فكلام في تبليغِ الرسالة وتعريضٌ به صلواتُ الله عليه بعد التصريحِ بقوله: ﴿وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ﴾ فبَيْنَ المقامَيْن بَوْن.
قولُه: (أنا أرجو أن أكون أتقاكم لله وأعلمَكم به)، روينا عن البخاريِّ ومُسلم عن عائشة رضي الله عنها: صنعَ رسولُ الله ﷺ شيئا فترخَّصَ فيه فَتنزَّه عنه قوم، فبلغَ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فخَطب فحَمِدَ الله تعالى ثم قال: ((ما بالُ أقوامٍ يَتنزَّهون عن شيء أصنَعُه، فوالله إني لأعلمُكم بالله وأشدُّكم له خشية)).


الصفحة التالية
Icon