الصحابة والتابعين وتابعيهم ومن بعدهم إلى يوم القيامة؛ لأن الله اصطفاهم على سائر الأمم، وجعلهم أمة وسطًا؛ ليكونوا شهداء على الناس، واختصهم بكرامة الانتماء إلى أفضل رسل الله، وحمل الكتاب الذي هو أفضل كتب الله، ثم قسمهم إلى ظالم لنفسه مجرم: وهو المرجأ لأمر الله؛ ومقتصٍد: وهو الذي خلط عملًا صالحًا وآخر سيئًا؛ وسابق من السابقين. والوجه الثاني: أنه قدم إرساله في كل أمّة رسولًا، وأنهم كذبوا برسلهم وقد جاءوهم بالبينات والزبر والكتاب المنير، ثم قال: (إنّ الذين يتلون كتاب الله)] فاطر: ٢٩ [، فأثنى على التالين لكتبه العاملين بشرائعه من بين المكذبين بها من سائر الأمم، واعترض بقوله: (وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتابِ هُوَ الْحَقُّ) ثم قال: (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا) أى: من بعد أولئك المذكورين، يريد بالمصطفين من عباده: أهل الملة الحنيفية. فإن قلت: فكيف جعلت (جَنَّاتُ عَدْنٍ) بدلًا من (الفضل الكبير)،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قولُه: (ظالم لنفسِه مُجْرِم)، الراغب: ظلمُ النفسِ في الحقيقة هو التقصيرُ في تهذيبِها وسياستِها المذكورة في قوله ﴿وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا﴾ [الشمس: ١٠]، وذلك أنّ كلَّ إنسانٍ سائسُ نَفْسِه، فمَتى لم يُوفِّ حَقَّ السياسةِ فقد ظلمَها ظُلْمَ الوالي رَعيّتَه، وخوطبَ مَنْ أُعْطِيَ القوّةَ ومُكِّنَ من البلوغِ إلى الدرجاتِ الرفيعةِ فرضيَ لنفسِه بأدنى منزلة.
قولُه: (المُرجَأ لأمرِ الله)، النهاية: الإرجاء: التأخيرُ، مَهْموز.
وفي حديثِ توبةِ كَعب بنِ مالك: ((وأرجَأ رسولُ الله ﷺ أمْرَنا)): أخَّرَنا. قال الله تعالى: ﴿وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ﴾ [التوبة: ١٠٦]، أي: مؤخَّرون حتى يُنْزِلَ الله فيهم ما يُريد.
قوله: (فكيف جعلت ﴿جَنَّاتُ عَدْنٍ﴾ بدلاً من ﴿الْفَضْلُ الْكَبِيرُ﴾)، يعني: لما كانت


الصفحة التالية
Icon