ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
﴿جَنَّاتُ عَدْنٍ﴾ بدلاً من ﴿الْفَضْلُ الْكَبِيرُ﴾، وهو عبارةٌ عن السبق بالخيرات، فيلزَمُ أن يكونَ ﴿جَنَّاتُ عَدْنٍ﴾ بدلاً من السبقِ بالخيرات، وليس بينهما مناسبةٌ ظاهراً ليُبْدَل منه.
وتلخيصُ الجواب: أنّ السبقَ بالخيراتِ لما كان سببًا لنيلِ الثوابِ حُمِلَ على نَفْسِ الثوابِ إقامةً للسببِ مُقامَ المُسبَّب، ثم أُبْدِلَ منه، ولعَمْري هذا بعيدٌ عن الذوق، متعسِّفٌ جدًّا، وما دعاهُ إليه إلا تصحيحُ مَذْهَبه، ونحن معاشرَ أهل السنَّة نجعلُ المشارَ إليه بقوله: ﴿ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ﴾ ما سبق من معنى الإيراث، كما في ((الوسيط))، ونجعلُ ﴿جَنَّاتُ عَدْنٍ﴾ جملةً مستأنفة.
قال مُحيي السُّنة: ﴿ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ﴾ يعني: إيراثَهم الكتابَ، ثم أخبرَ بثَوابهم فقال: ﴿جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا﴾ يعني: الأصناف الثلاثة.
وقال أبو البقاء: ﴿جَنَّاتُ عَدْنٍ﴾ خبرُ مُبتدأٍ محذوف أو مبتدأ، والخبر ﴿يَدْخُلُونَهَا﴾.
ويؤَيِّدُه ما رواهُ المصنِّفُ أنّه قُرِئَ: ((جَنّاتِ عَدْنٍ)) بالنصبِ على إضمارِ فعْلٍ يُفَسُرِّه الظاهرُ، أي: يدخلونَ جَنّاتِ عَدْنٍ يدخلونها، فنَتخَلَّصَ بهذا التأويلِ من هذا المضيقِ ويَسْلَمَ النظمُ السَّريُّ من الانفكاك، وهذا أولى مما ذهبَ إليه بوجوه:
أحدُها: أن سُنّة الله جاريةٌ في هذا الكتابِ المجيد أن يُقابلَ ذكْرَ المؤمنينَ بذكْرِ مُخالفيهم، ويقارِنَ ذكر الجنة بذكر النار.
ولما ذكر أوصافَ المؤمنينَ وما إليه مصيرُهم في قوله: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ﴾ وهلُمَّ جرًّا إلى قوله: ﴿وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ﴾ قابلَه بذكْرِ الكافرين وما


الصفحة التالية
Icon