نظِيرةُ تلك في وقُوعِها تفسيرًا لنَبأِ موسى وفِرْعَون، واقتِصاصًا له. ﴿وَنُرِيدُ﴾: حكايةُ حالٍ ماضية، ويجوزُ أن تكونَ حالاً من ﴿يَسْتَضْعِفُ﴾، أي: يستضعِفُهم فرعونُ، ونحنُ نريدُ أن نَمُنَّ عليهم. فإن قلتَ: كيف يجتمعُ استِضْعافُهم وإرادةُ الله المنّةَ عليهِم؟ وإذا أراد الله شيئًا كانَ، ولم يتوقّف إلى وقتٍ آخَرَ، قلتُ: لمّا كانتْ منّةُ الله شيئًا كانَ، ولم يتوقّفْ إلى وقتٍ آخَرَ، قلتُ: لمّا كانتْ منّةُ الله بخلاصِهم من فرعونَ قريبةَ الوُقوع، جُعِلتْ إرادةُ وقوعِها كأنَّها مقارِنةٌ لاستضعافِهم. ﴿آَئِمَّةً﴾ مُقَدَّمِين في الدِّين والدُّنيا، يطأُ النّاسُ أعقابَهم. وعنِ ابنِ عباسٍ رضيَ الله عنهُما: قادةً يُقتدى بهم في الخير.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المُنبّأِ به؛ بلْ هوَ المقصودُ في الإنباء. وأما على ﴿يَسْتَضْعِفُ﴾ فلأنه: إما صفةٌ لـ ﴿شِيَعًا﴾، أو حالٌ مِنْ فاعِلِ ﴿وَجَعَلَ﴾، أو استئنافٌ، ولا كلامَ في فسادِ الأولين. وأما الثالثُ فيكونُ على سؤالِ سائل موردُه ﴿وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا﴾، فلمْ يَنطَبِقْ عليه ﴿وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ﴾ [القصص: ٥]، و ﴿يُذَبِّحُ﴾ و ﴿وَيَسْتَحْيِ﴾ بدلانِ مِن ﴿يَسْتَضْعِفُ﴾ وحُكمُهما حُكمُه؛ فبقِيَ أنْ يكونَ عطفًا على ﴿إنَّ فِرْعَوْنَ﴾ الآية، وإنْ اختَلَفتا اسميّةً وفعلية. وتأويلُه: إنّ فرعونَ فَعَلَ بهم ما فَعَلَ مِنَ الاستضعافِ والاستخدام والقتلِ والفَناء، ونحنُ قضَيْنا عَكْسَ ذلكَ مِنْ جَعْلِهم مُتمكِّنينَ في الأرضِ أقوياءَ أئمةً مُتمكِّنينَ في الأرضِ أقوياءَ أئمةً مُقدَّمينَ باقينَ بَعدَهم وارثينَ دِيارَهم، ولمْ يَكُنْ إلا ما أرَدْنا. هذا معنى قولِنا: هذا الإنباءُ مُتضَمِّنٌ لإثباتِ القضاءِ والقَدَر. ومعنى أنْ يكونَ ((نُريدُ)) حالاً منْ ((أن يستضعف)) يعودُ إلى هذا.
قولُه: (كيفَ يجتَمِعُ استضعافُهم وإرادةُ الله المِنّة؟ )، يعني: لَزِمَ مِنْ هذا التقريرِ الجمعُ بينَ المتنافِيَيْن. وخُلاصةُ الجوابِ: أنّ الله تعالى لَمّا أرادَ أنْ يَمُنّ على بني إسرائيلَ بعدَ هلاكِ فرعونَ ونجاتِهم مِنه، وكانتْ تلكَ قريبةَ الوقوع، جُعِلَتْ كأنّها واقِعةٌ مقارِنةٌ لاستضعافِهم. وقريبٌ منهُ قولُه: ﴿إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا* لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ﴾ [الفتح: ١، ٢]. وقالَ صاحبُ ((المطلع)): أرادَ الله تعالى حالَ استضعافِهم إياهم أن يَمُنّ عليهم بالخلاصِ في وقتٍ قدّرَهُ الله وقضاه.
قولُه: (يطأُ الناسُ أعقابَهم)، العبارةُ كنايةٌ عن أنّهم كثيرٌ والأتباعُ مقدمون.


الصفحة التالية
Icon