من أن يتصل بما قبله على أن يكون صفة لـ ﴿كُلِّ شَيْطَانٍ﴾، أو استئنافًا فلا تصح الصفة؛ لأن الحفظ من شياطين لا يسمعون لا معنى له، وكذلك الاستئناف؛ لأن سائلًا لو سأل: لم تحفظ من الشياطين؟ فأجيب بأنهم لا يسمعون: لم يستقم؛ فبقي أن يكون كلامًا منقطعًا مبتدأ اقتصاصًا لما عليه حال المسترقة للسمع، وأنهم لا يقدرون أن يسمعوا إلى كلام الملائكة، أو يتسمعوا وهم مقذوفون بالشهب مدحورون عن ذلك، إلا من أمهل حتى خطف خطفة واسترق استراقة؛ فعندها تعاجله الهلكة بإتباع الشهاب الثاقب. فإن قلت: هل يصح قول من زعم أن أصله: لئلا يسمعوا، فحذفت اللام كما حذفت في قولك: جئتك أن تكرمني، فبقي أن لا يسمعوا، فحذفت "أن"
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
السماع فلا يتمكنون من الإصغاء فضلًا عن السماع، ولأن "يسمعون" يتعدى بنفسه، قال تعالى: ﴿لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا﴾ [النبأ: ٣٥] فلما عدي بـ"إلى" فسر تارة بقوله: "لا يسمعون القول مائلين إلى الملأ الأعلى"، وأخرى "لا يصغون إلى الملأ الأعلى"، وأما الاستئناف فيمكن أن يكون على وجه آخر غير ما ذكره وهو بأنه لما قيل: ﴿وحِفْظًا مِّن كُلِّ شَيْطَانٍ مَّارِدٍ﴾ أي: حفظناها حفظًا، فقيل: فما يكون إذن؟ فأجيب: لا يسمعون أو لا يتطلبون السماع إلى الملأ الأعلى، أي: لا ينتهي طلبهم السماع إلى مكان الملأ الأعلى؛ لأنهم يقذفون من كل جانب دحورًا.
قوله: (فبقي أن يكون كلامًا مبتدأ اقتصاصًا) يعني: مستطردًا، فإنه تعالى لما ذكر أن الكواكب إنما خلقت للتزيين وأن الحفظ هو المقصود بالذات أتى بما عليه حال المسترق اقتصاصًا.
قوله: (هل يصح قول من زعم أن أصله: لئلا يسمعوا؟ ) وجه ثالث للمنع من اتصال ﴿لا يَسَّمَّعُونَ﴾ بما قبله، قال صاحب "الانتصاف": أبطل أن يكون صفة وأن يكون أصله "لئلا يسمعوا" لاجتماع حذفين، وكلا الوجهين صحيح، وعدم استماع الشيطان