فمنكر من المنكرات، على أن صون القرآن عن مثل هذا التعسف واجب. فإن قلت: أي فرق بين: سمعت فلانًا يتحدث، وسمعت إليه تحدث، وسمعت حديثه، وإلى حديث؟ قلت: المعدى بنفسه يفيد الإدراك، والمعدى بـ"إلى" يفيد الإصغاء مع الإدراك.
والملأ الأعلى: الملائكة؛ لأنهم يسكنون السماوات، والإنس والجن: هم الملأ الأسفل؛ لأنهم سكان الأرض.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما: هم الكتبة من الملائكة. وعنه: أشراف الملائكة. ﴿مِن كُلِّ جَانِبٍ﴾: من جميع جوانب السماء من أي جهة صعدوا للاستراق، ﴿دُحُورًا﴾ مفعول له، أي: ويقذفون للدحور؛ وهو الطرد، أو مدحورين على الحال، أو لأن القذف والطرد متقاربان في المعنى، فكأنه قيل: يدحرون، أو قذفًا. وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (والمعدى بـ"إلى" يفيد الإصغاء مع الإدراك) الإصغاء: الإمالة للسماع، ومنه الحديث: "كان عليه السلام يصغي الإناء للهرة".
قال القاضي: وتعدية السماع بإلى لتضمنه معنى الإصغاء مبالغة وتهويلًا لما يمنعهم عنه، ويدل عليه قراءة من قرأ ﴿لا يَسَّمَّعُونَ﴾ بالتشديد وهو طلب السماع.
قوله: (يدحرون، أو: قذفًا) هذا من الإيجازات الحسنة، أي تقدر "يدحرون دحورًا" أو "يقذفون قذفًا".