بالصلابة والقوة، أو احتجاج عليهم بأن الطين اللازب الذي خلقوا منه تراب، فمن أين استنكروا أن يخلقوا من تراب مثله حيث قالوا: ﴿أَئِذَا كُنَّا تُرَابًا﴾ [الرعد: ٥]. وهذا المعنى يعضده ما يتلوه من ذكر إنكارهم البعث. وقيل: ﴿مَّنْ خَلَقْنَا﴾ من الأمم الماضية، وليس هذا القول بملائم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقلت: ويعضد المعنى الأول ما سبق من مفتتح السورة إلى ها هنا؛ لأنه في شأن إثبات التوحيد وإظهار القدرة الكاملة، يعني كيف يشركون ويستكبرون عن عبادتي؟ أو لا يرون إلى ما خلقنا من الملائكة والسماوات والأرض والمشارق والمغارب والكواكب، كيف انقادوا وأطاعوا مع عظم خلقهم وقوة بطشهم لما أردنا فيهم؟ كقوله تعالى: ﴿قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ﴾ [فصلت: ١١] وهم يمتنعون عن الانقياد ﴿أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَم مَّنْ خَلَقْنَا﴾ ولذلك عقبه بقوله: ﴿بَلْ عَجِبْتَ﴾.
قوله: (وليس هذا القول بملائم) لأن ﴿مَّنْ خَلَقْنَا﴾ مطلق يحمل على النقيد، ولم يسبق للأمم الماضية ذكر، وقد سبق ذكر الملائكة والسماوات وغيرهما فوجب تقييده بها، وإليه الإشارة بقوله: "وقوله: ﴿أَم مَّنْ خَلَقْنَا﴾ من غير تقييد بالبيات اكتفاء ببيان ما تقدمه"، وأيضًا الفاء في قوله: ﴿فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا﴾ يقتضي ترتب الثاني على الأول، وإليه الإشارة بقوله: "والدليل عليه قوله بعد هذه الأشياء: ﴿فَاسْتَفْتِهِمْ﴾ بالفاء المعقبة.
قال صاحب "الفرائد": هذا القول مذكور في "التيسير"، قال: ﴿فَاسْتَفْتِهِمْ﴾ أي: فاسأل المشركين يا محمد: أهم أشد خلقًا أم من خلقنا من الأمم الماضية الذين كانوا أشد منهم قوة وأكثر أموالًا وأولادًا؟ فإن أجابوك بأنهم أشد ممن سلف فقل لهم: إنا خلقناهم، أي: خلقنا جميعهم من طين لازب، يعني: أصلهم منه وهو آدم عليه السلام، مما خلقهم