اليمين لما كانت أشرف العضوين وامتنهما وكانوا يتيمنون بها؛ فبها يصافحون ويماسحون ويناولون ويتناولون، ويزاولون أكثر الأمور، ويتشاءمون بالشمال؛ ولذلك سموها: الشؤمى، كما سموا أختها اليمنى، وتيمنوا بالسانح، وتطيروا بالبارح، وكان الأعسر معيبًا عندهم، وعضدت الشريعة ذلك، فأمرت بمباشرة أفاضل الأمور باليمين، وأراذلها بالشمال، وكان رسول الله ﷺ يحب التيامن في كل شيء، وجعلت اليمين لكاتب الحسنات، والشمال لكاتب السيئات، ووعد المحسن أن يؤتى كتابه بيمينه، والمسيء أن يؤتاه بشماله- استعيرت لجهة الخير وجانبه، فقيل: أتاه عن اليمين- أي: من قبل الخير وناحيته- فصده عنه وأضله.
وجاء في بعض التفاسير: من أتاه الشيطان من جهة اليمين: أتاه من قبل الدين فلبس عليه الحق، ومن أتاه من جهة الشمال: أتاه من قبل الشهوات، ومن أتاه من
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (ويماسحون) قيل: يعاقدون ويعاهدون، أو يتبركون. النهاية: إنما سمي عيسى بالمسيح؛ لأنه كان لا يمسح بيده ذا عاهة إلا برئ.
قوله: (وتيمنوا بالسانح)، النهاية: هو ما مر من الطير والوحوش بين يديك من جهة يسارك إلى يمينك، والعرب تتيمن به؛ لأنه أمكن للرمي والصيد، والبارح: ضده.
قوله: (وكان الأعسر معيبًا) الجوهري: يقال: أعسر بين العسر، الذي يعمل بيساره.
قوله: (استعيرت لجهة الخير) جواب "لما".
قوله: (فقيل) متصل بقوله: "استعيرت"، وقصده بقوله: "أتاه" يعني: لما كانت اليمين أشرف العضوين استعيرت لجهة الخير، قيل: أتاه من جهة الخير، فصده عن الخير، وعليه معنى الآية، وتحريره: قال بعض أهل الجحيم لبعض: ﴿إنَّكُمْ كُنتُمْ تَاتُونَنَا﴾ من قبل الخير وتصدوننا عن الإيمان وتضلوننا عن سبيل الحق، ولذلك كان جواب البعض الآخر: ﴿بَل لَّمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ﴾.


الصفحة التالية
Icon