بين يديه: أتاه من قبل التكذيب بالقيامة وبالثواب والعقاب، ومن أتاه من خلفه: خوفه الفقر على نفسه وعلى من يخلف بعده؛ فلم يصل رحمًا، ولم يؤد زكاة. فإن قلت: قولهم: أتاه من جهة الخير وناحيته: مجاز في نفسه، فكيف جعلت اليمين مجازًا عن المجاز؟ قلت: من المجاز ما غلب في الاستعمال حتى لحق بالحقائق، وهذا من ذاك؛ ولك أن تجعلها مستعارة للقوة والقهر؛ لأن اليمين موصوفة بالقوة، وبها يقع البطش. والمعنى: أنكم كنتم تأتوننا عن القة والقهر، وتقصدوننا عن السلطان والغلبة حتى تحملونا على الضلال وتقسرونا عليه.
وهذا من خطاب الأتباع لرؤسائهم، والغواة لشياطينهم، ﴿بَل لَّمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ﴾:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (قولهم: أتاه من جهة الخير) يعني قولهم: أتاه من جهة اليمين كما تقرر، مستعار من قولهم: أتاه من جهة الخير، والخير لا جهة له، فكيف يستعار منه؟ وأجاب أنه مجاز في المرتبة الثانية، فهو كالمسافة، وهي موضع الشم في الأصل، من سافه [إذا] شمه، ثم استعير لبعد ما بين الموضعين، ثم استعير لفرق ما بين الكلامين.
قوله: (ول كان تجعلها مستعارة) عطف على قوله: "اليمين لما كانت أشرف العضوين"، ويجوز أن يقال: إنه عطف من حيث المعنى على قوله: "استعيرت لجهة الخير"، وهما نشر لما لف في قوله: "وكانوا يتيمنون بها، فبها يصافحون" إلى آخره؛ لأنه مناسب لقوله: "اليمين لما كانت أشرف العضوين"، كما أن قوله: "مستعارة للقوة والقهر" مناسب لقوله: "وأمتنهما" وليست هذه الاستعارة من التي مبناها على التشبيه، بل هي من إطلاق السبب على المسبب، وقد جمع المعنيين من قال:
وكنا الأيمنين إذا التقينا.... وكان الأيسرين بنو أبينا


الصفحة التالية
Icon