ثُمَّ إنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْبًا مِّنْ حَمِيمٍ * ثُمَّ إنَّ مَرْجِعَهُمْ لإلَى الجَحِيمِ * إنَّهُمْ أَلْفَوْا آبَاءَهُمْ ضَالِّينَ * فَهُمْ عَلَى آثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ} ٦٢ - ٧٠].
تمت قصة المؤمن وقرينه، ثم رجع إلى ذكر الرزق المعلوم فقال: ﴿أَذَلِكَ﴾ الرزق ﴿خَيْرٌ نُّزُلًا﴾ أي: خيرٌ حاصلًا ﴿أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ﴾؟ وأصل النزل: الفضل والريع في الطعام، يقال: طعام كثير النزل، فاستعير للحاصل من الشيء، وحاصل الرزق المعلوم: اللذة والسرور، وحاصل شجرة الزقوم: الألم والغم. وانتصاب ﴿نُزُلاَ﴾ على التمييز، ولك أن تجعله حالًا، كما تقول: أثمر النخلة خير بلحًا أم رطبًا؟ يعني:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (تمت قصة المؤمن وقرينه، ثم رجع إلى [ذكر] الرزق المعلوم) هذا بيان لنظم الآي، وفيه أن قصة المؤمن ذكرت مستطردة بين الكلامين المتصلين معنى، وذلك أنه تعالى لما ذكر رزق أهل الكرامة، ومن كرامتهم أنهم على سرر متقابلين، واتصل به قوله: ﴿فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ﴾ واستوفى القصة أقبل إلى ذكر أهل الشقاوة وتهكم بهم بقوله: ﴿أَذَلِكَ خَيْرٌ نُّزُلًا أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ﴾.
قوله: (وأصل النزل: الفضل والريع)، المغرب: ومنه قوله: العسل ليس من أنزال الأرض، أي: من ريعها وما يحصل منها. وعن الشافعي رضي الله عنه: لا يجب فيه العشر، لأنه نزل طائر.
قوله: (أثمر النخلة خير بلحًا أم رطبًا؟ ) فإن قلت: المثال غير مطابق للآية؛ لأن السؤال عن حال الثمرة لا نفسها، وفي الآية السؤال عن الرزق المعلوم وعن شجرة الزقوم، قلت: ليس السؤال عن الرزق والشجرة نفسهما بل عن حالهما، ألا ترى كيف قال: "فأيهما خير في كونه نزلًا؟ ". نعم فيه اختلاف من جهة أن المثال فيه شؤال عن حالتي شيء واحد، والآية هنا سؤال عن حالة واحدة لشيئين مختلفين، وهذا لا يضر في الاستشهاد.


الصفحة التالية
Icon