في الأول وجهان؛ أحدهما: أنهم يملئون البطون من شجر الزقوم، وهو حار يحرق بطونهم ويعطشهم، فلا يسقون إلا بعد ملي؛ تعذيبًا بذلك العطش، ثم يسقون ما هو أحر؛ وهو الشراب المشوب بالحميم. والثاني: انه ذكر الطعام بتلك الكراهة والبشاعة، ثم ذكر الشراب بما هو أكره وأبشع، فجاء بـ"ثم"؛ للدلالة على تراخي حال الشراب عن حال الطعام، ومباينة صفته لصفته في الزيادة عليه. ومعنى الثاني: أنهم يذهب بهم عن مقارهم ومنازلهم في الجحيم، وهي الدركات التي أسكنوها، إلى شجرة الزقوم، فيأكلون إلى أن يتملؤوا، ويسقون بعد ذلك، ثم يرجعون إلى دركاتهم، ومعنى التراخي في ذلك بين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (في الأول وجهان) والجواب الأول مبني على أن "ثم" للتراخي في الزمان، والأسلوب من الترقي من الحار إلى الأحر، والثاني على أن "ثم" للتراخي في الرتبة، والأسلوب من التكميل، حيث كمل عذاب الأكل بالشرب. وأما معنى الثاني- أي: السؤال الثاني الذي تقدم على قوله تعالى: ﴿ثُمَّ إنَّ مَرْجِعَهُمْ﴾ - فظاهر.
وفي قوله: (ثم يرجعون إلى دركاتهم) إشعار بترتيب أنيق، وذلك أن أهل النار أول ما يقام لهم في النار من الرزق شجرة الزقوم، ثم يسقون شوبًا من حميم، ثم يستقرون بعد ذلك إلى دركاتهم، وعليه جرى العرف، وعلى هذا نزل أهل الجنة: الرزق المعلوم، وهو الفواكه وما يأكلونه على سبيل التلذذ، ثم السقي من كأس معين بيضاء لذة للشاربين، ثم يرجعون إلى ما وراء ذلك مما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، قائلين: ﴿إنَّ هَذَا لَهُوَ الفَوْزُ العَظِيمُ * لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ العَامِلُونَ﴾ اللهم بفضلك اجعلنا من الفائزين به.
قال القاضي: ﴿أَذَلِكَ خَيْرٌ نُّزُلًا أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ﴾ فيه دلالة على أن ما ذكر من النعيم لأهل الجنة بمنزلة ما يقام للنازل، ولهم وراء ذ لك ما تقصر عنه الأفهام، وكذلك الزقوم لأهل النار من الأمم.


الصفحة التالية
Icon