القوم نجامين، فاوهمهم انه استدل بأمارة في علم النجوم على أنه يسقم ﴿فَقَالَ إنِّي سَقِيمٌ﴾: إني مشارف للسقم؛ وهو الطاعون، وكان أغلب الأسقام عليهم، وكانوا يخافون العدوى؛ ليتفرقوا عنه، فهربوا منه إلى عيدهم وتركوه في بيت الأصنام ليس معه أحد، ففعل بالأصنام ما فعل. فإن قلت: كيف جاز له أن يكذب؟ قلت: قد جوزه بعض الناس في المكيدة في الحرب والتقية، وإرضاء الزوج، والصلح بين المتخاصمين والمتهاجرين. والصحيح: أن الكذب حرام إلا إذا عرض وورى، والذي قاله إبراهيم صلوات الله عليه: معراض من الكلام، وقد نوى به أن من في عنقه الموت سقيم، ومنه المثل: كفى بالسلامة داء، وقول لبيد:
فدعوت ربي بالسلامة جاهدا.... ليصحني فإذا السلامة داء
وقد مات رجل فجأة فالتف عليه الناس، وقالوا: مات وهو صحيح، فقال
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (ليتفرقوا عنه) يتعلق بقوله: ﴿فَقَالَ إنِّي سَقِيمٌ﴾.
قوله: (معراض من الكلام) جمعه: معاريض، ومنه قولهم: إن في المعاريض لمندوحة عن الكذب. ومر في فاتحة البقرة كلام مشبع فيه.
قوله: (فدعوت) قبله:
كانت قناتي لا تلين لغامز.... فألانها الإصباح والإمساء
فدعوت ربي بالسلامة جاهدًا.... ليصحني فإذا السلامة داء
القناة: الرمح، فاستعار لقامته. والغمز: العصر باليد. يصف قوته في الشباب وضعفه في الكبر. قيل لشيخ كبير: كيف أصبحت؟ قال: في داء يتمناه الناس.