عليها جميعًا؟ قلت: هذا كما يقال: عمل النجار الباب والكرسي، وعمل الصائغ السوار والخلخال، والمراد عمل أشكال هذه الأشياء وصورها دون جواهرها، والأصنام جواهر وأشكال، فخالق جواهرها الله، وعامل أشكالها الذين يشكلونها بنحتهم وحذفهم بعض أجزائها، حتى يستوي التشكيل الذي يريدونه. فإن قلت: فما أنكرت أن تكون "ما" مصدرية لا موصولة، ويكون المعنى: والله خلقكم وعملكم، كما يقول المجبرة؟ قلت: أقرب ما يبطل به السؤال
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (أقرب ما يبطل به هذا السؤال) إلى آخره، وخلاصة الجواب أن قوله: ﴿وَمَا تَعْمَلُونَ﴾ هو عين ما ينحتون؛ لأن قوله: ﴿وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ﴾ احتجاج على ما أنكر عليهم بقوله: ﴿أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ﴾، وإنما يصح أن يكون احتجاجًا ومطابقًا للسؤال أن يقال: والله خلقكم وما تنحتون.
قال مكي: قالت المعتزلة: "ما" بمعنى "الذي" فرارًا من أن يقروا بعموم الخلق لله تعالى، يريدون أنه خلق الأشياء التي نحتت الأصنام وبقيت الأعمال والحركات غير داخلة في خلق الله، تعالى الله عن ذلك، بل كل من خلق الله لا خالق إلا الله، وخلق الله لإبليس -الذي هو الشر كله- يدل على أنه تعالى خلق جميع الأشياء. وقال تعالى: ﴿مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ﴾ [الفلق: ٢]؛ أجمع القراء كلهم -حتى أهل الشذوذ- على إضافة "شر" إلى "ما"، وقد فارق عمرو بن عبيد رئيس المعتزلة وقرأ "مِنْ شَرٍّ مَا خَلَقَ" بالتنوين؛ ليثبت أن مع الله خالقين يخلقون الشر، والصحيح أن الله تعالى خلق الشر وأمرنا أن نتعود منه، فإذا خلق الشر وهو خالق الخير [بلا اختلاف]، دل ذلك على أنه تعالى خلق أعمال العباد كلها من خير وشر، فيجب أن تكون "ما" مصدرية، والمعنى: أنه تعالى عم جميع الأشياء بأنها مخلوقة له، أي: الله خلقكم وعملكم.


الصفحة التالية
Icon