ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقال القاضي: هذا أبلغ؛ لأن فعلهم إذا كان بخلق الله فيهم كان مفعولهم المتوقف على فعلهم أولى بذلك، وبهذا المعنى تمسك أصحابنا على خلق الأعمال، ولهم أن يرجحوه على الأولين لما فيهما من حذف أو مجاز.
وقلت: تمام تقريره هو: أنه قد تقرر عند علماء البيان أن الكناية أولى من التصريح، فإذا نفى الحكم العام لينتفي الخاص كان أقوى وأثبت للحجة، وكم قد كرر في كتابه هذا المعنى، ومنه قوله تعالى: ﴿كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ﴾ [البقرة: ٢٨] إذ أنكر أن يكون لكفرهم حال يوجد عليها، وقد علم أن كل موجود لا ينفك من حال عند وجوده، فكان إنكارًا لوجوده على الطريق البرهاني.
وقال صاحب "الانتصاف": يتعين حمل "ما" على المصدرية؛ إذ لم يعبدوا الأصنام من حيث هي حجارة عارية من الصورة، ولولاها لما خصوا حجرًا دون غيره، بل عبدوها باعتبار أشكالها وهي أثر عملهم، فعلى الحقيقة إنما عبدوا عملهم، فوضحت الحجة في أنها مخلوقة لله، فكيف يعبد مخلوق مخلوقًا؟ !.
قوله: "هي موصولة والمراد عمل أشكالها" مخالفة للظاهر واحتياج إلى حذف مضاف، أي: "وما تعملون شكله وصورته" وهو موضع لبس، وإذا جعل المعبود نفس الجوهر كيف يطابق توبيخهم ببيان أن المعبود من صنعة العابد وهم يوافقون أن جواهر الأصنام ليست من خلقهم؟ فيكون على هذا ما هو من عملهم ليس معبودًا، وما هو معبود -وهو الجوهر- ليس عملًا لهم.