كحالك وقد جعلتها مصدرية، وأيضًا فإنك قاطع بذلك الوصلة بين ﴿مَا تَعْمَلُونَ﴾ و ﴿مَا تَنْحِتُونَ﴾؛ حيث تخالف بين المرادين بهما، فتريد بـ ﴿مَا تَنْحِتُونَ﴾: الأعيان التي هي الأصنام، وبـ ﴿وَمَا تَعْمَلُونَ﴾: المعاني التي هي الأعمال، وفي ذلك فك النظم وتبتيره، كما إذا جعلتها مصدرية.
[﴿قَالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْيَانًا فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ * فَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَسْفَلِينَ﴾ ٩٧ - ٩٨].
الجحيم: النار الشديدة الوقود، وقيل: كل نار على نار وجمر فوق جمر، فهي جحيم. والمعنى: أن الله تعالى غلبه عليهم في المقامين جميعًا، وأذلهم بين يديه: أرادوا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (كحالك وقد جعلتها مصدرية) يعني: حالك في جعلها موصولة على هذا التأويل، كحالك في جعلها مصدرية في أنك غير محتج بالآية على المشركين؛ لأن المقصود نفس ما ينحتون لا العمل كما سبق، وأيضًا فإنك قاطع بذلك الوصلة بين ما يعملون وما ينحتون، يعني: إذا جعلت "ما" موصولة وحذفت الراجع وأردت ما تعملونه من أعمالكم لم يتجاوب الرد والاحتجاج.
وقلت: هذا تطويل، إذ لابد لصاحب المعاني أن يراعي الفرق بين العبارتين؛ بين أن يقال: والله خلقكم وما تنحتون، كما يقتضيه الظاهر، وبين ما عليه التلاوة، ويلتزم الأبلغية في الثاني صونًا لكلام الله تعالى من العبث، وليس ذلك إلا الكناية كما سبق، والله أعلم.
قوله: (الجحيم: النار الشديدة)، الراغب: الجحمة: شدة تأجج النار، ومنه الجحيم، وجحم وجهه من شدة الغضب استعارة من جحمه النار، وذلك من ثوران حرارة القلب.
قوله (في المقامين جميعًا) المقام الأول: قوله: {قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ * وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا


الصفحة التالية
Icon