[﴿فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ﴾ ١٠٢].
فلما بلغ أن يسعى مع أبيه في أشغاله وحوائجه.
فإن قلت: ﴿مَعَهُ﴾ بم يتعلق؟ قلت: لا يخلو: إما أن يتعلق ب ﴿بَلَغَ﴾، أو بـ ﴿السَّعْيَ﴾، أو بمحذوف، فلا يصح تعلقه بـ ﴿بَلَغَ﴾؛ لاقتضائه بلوغهما معًا حد السعي، ولا بـ ﴿السَّعْيَ﴾؛ لأن صلة المصدر لا تتقدم عليه؛ فبقي أن يكون بيانًا، كأنه
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (أن يسعى مع أبيه في أشغاله) الراغب: السعي: المشي السريع وهو دون العدو، ويستعمل للجد في الأمر خيرًا كان أو شرًا، قال تعالى: ﴿وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى﴾ [النجم: ٣٩] وأكثر ما يستعمل في الأفعال المحمودة كما قال تعالى: ﴿فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ﴾ أي: أدرك ما سعى في طلبه.
قوله: (لاقتضائه بلوغهما معًا حد السعي) يريد أن لفظة "مع" تقتضي استحداث المصاحبة، قال في قوله تعالى: ﴿دَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ﴾ [يوسف: ٣٦]: "مع" يدل على معنى الصحبة واستحداثها فيجب أن يكون دخولهما السجن مصاحبين له؛ لأن "معه" على هذا حال من فاعل "بلغ" فيكون قيدًا للبلوغ فيلزم منه ما ذكره من المحذور؛ لأن معنى المعية المصاحبة وهي مفاعلة، وقد قيد الفعل بها فيجب الاشتراك فيه. لا يقال: إن قول بلقيس: ﴿مَعَ سُلَيْمَانَ﴾ -على ما ذكر- يقتضي استحداث إسلامهما معًا، وليس كذلك؛ لأنا نقول: لا يبعد ذلك، فلعله عليه السلام وافقها أو لقنها، وإنما المعنى على بلوغ إسماعيل عليه السلام الحد الذي يقدر فيه على العمل في صحبة أبيه إبراهيم عليه السلام.
وروى الواحدي عن ابن عباس رضي الله عنه: لما شب حتى بلغ سعيه سعي إبراهيم. والمعنى: بلغ أن يتصرف معه ويعينه، فإذن لابد من تعلقه بالسعي، لا كما ظن أنه يجوز أن