قال: ﴿وَفَدَيْنَاهُ﴾؟ قلت: الفادي هو إبراهيم عليه السلام، والله عز وجل وهب له الكبش ليفدي به، وإنما قال: ﴿وَفَدَيْنَاهُ﴾ إسنادا للفداء إلى السبب الذي هو الممكن من الفداء بهبته. فإن قلت: فإذا قلت: فإذا كان ما أتى به إبراهيم من البطح وإمرار الشفرة في حكم الذبح، فما معنى الفداء، والفداء إنما هو التخليص من الذبح ببدل؟ قلت: قد علم بمنع الله أن حقيقة الذبح لم تحصل من فري الأوداج وإنهار الدم، هوهب الله له الكبش ليقيم ذبحه مقام تلك الحقيقة؛ حتى لا تحصل تلك الحقيقة في نفس إسماعيل،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إلى الله تعالى، والمجرور إلى إبراهيم، وفيه تعسف ونبو عن مظنة استعماله. ولتضمنه معنى التخليص علله بقوله: "لأنه الآمر بالذبح"، فعلى هذا: الضمير في قوله: "ليفتدي به" راجع إلى إبراهيم عليه السلام لا إلى الله تعالى كما سبق إلى بعض الأوهام.
وتلخيص السؤال أنه تعالى قال ﴿وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ﴾ فيكون الفادي هو الله تعالى، وفي الحقيقة هو المفتدى منه، وإبراهيم هو الفادي، وأجاب بأن الإسناد مجازي؛ لأنه تعالى لما وهب لإبراهيم الكبش ليفتدي ابنه فكأنه تعالى هو الفادي؛ إذ لولا تمكنه من الفداء بهبته لما قدر إبراهيم أن يفتدي به. ونحوه: "كسا الخليفة الكعبة"، وفائدته تعظيم الفداء، وكذلك وصفه بالعظم والله أعلم.
قوله: (فإذا كان ما أتى به إبراهيم عليه السلام) تقرير السؤال: أن الفداء إنما يكون إذا أريد التخليص من الذبح، فإذا فعل ما في حكم الذبح اضطرارًا فما معنى الفداء؟ وأجاب: أنه وإن فعل ما في حكم الذبح لكنه ليس بذبح في الحقيقة، فكان الفداء جبرانًا لذلك النقصان وتحصيلًا لتلك الحقيقة بما أمكن، ثم سأل: فأي فائدة في تحصيل تلك الحقيقة وقد استغني عنها بما وجد منه عليه السلام من البطح وإمرار الشفرة؟ وأجاب: أن الفائدة بذل المجهود في امتثال الأمر، وحصول الذبح بأي وجه كان فحين لم يحصل في إسماعيل ينبغي أن يحصل في بدله، والفاءان في أثناء السؤالين مترتبتان على ما سبق عليهما.


الصفحة التالية
Icon