عِزَّةٍ وشِقَاقٍ} كلام ظاهره متنافر غير منتظم، فما وجه انتظامه؟ قلت: فيه وجهان؛ أحدهما: أن يكون قد ذكر اسم هذا الحرف من حروف المعجم على سبيل التحدي والتنبيه على الإعجاز، كما مر في أول الكتاب، ثم أتبعه القسم محذوف الجواب؛ لدلالة التحدي عليه، كأنه قال: ﴿ص والْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ﴾ إنه لكلام معجز. والثاني: أن يكون ﴿ص﴾ خبر مبتدأ محذوف، على أنها اسم للسورة، كأنه قال: هذه صاد، يعني: هذه السورة التي أعجزت العرب والقرآن ذي الذكر، كما تقول: هذا حاتم والله، تريد: هذا هو المشهور بالسخاء والله؛ وكذلك إذا أقسم بها كأنه قال: أقسمت بـ ﴿ص والْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ﴾ إنه لمعجز، ثم قال: ﴿بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وشِقَاقٍ﴾ واستكبار عن الإذعان لذلك والاعتراف بالحق، و ﴿شِقَاقٍ﴾ لله ورسوله، وإذا جعلتها مقسمًا بها
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (ظاهره متنافر غير متنظم)، يعني: لم يذكر المقسم عليه ملم يبين المضرب عنه. وفي كلامه سوء أدب، ولذلك قال الإمام: وفيه إشكالان: أحدهما: أن هنا مقسما به وليس له مقسم عليه، وثانيهما: ﴿بَلِ يقتضي رفع حكم ثبت وإثبات ما يناقضه، فأين ذلك هنا؟
قوله: (وكذلك إذا أقسم بها)، أي: كذلك يكون"صاد" اسما للسورة. وحاصل الجواب: أن"صاد" إذا كان تعدادًا للحروف: إما للإيقاظ وقرع العصا، أو تقدمة لدلائل الإعجاز كان {وَالْقُرْآنِ﴾ إنشاء قسم والجواب محذوف. وإذا كان اسمًا للسورة: إما أن يكون خبر مبتدأ محذوف أو مقسم بها، و ﴿بَلِ﴾ اسمًا للحروف أو خبر مبتدأ محذوف، وكان ﴿وَالْقُرْآنِ﴾ اسمًا للسورة لما يلزم من جعلها اسمًا للسورة وجعل القرآن اسمًا لها عطف الشيء على نفسه فنذهب إما: إلى عطف العام على الخاص أو: إلى الأسلوب التجريدي، والواو متعينة للعطف؛ لئلا يجتمع قسمان على مقسم به واحد كما سبق.
قوله: (ثم قال: ﴿بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وشِقَاقٍ﴾ واستكبار عن الإذعان)، عن بعضهم: هو كما يقال: فلان عفيف جواد، بل قومه استخفوا به.