وعطفت عليها ﴿والْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ﴾؛ جاز لك أن تريد بالقرآن التنزيل كله، وأن تريد السورة بعينها، ومعناه: أقسم بالسورة الشريفة والقرآن ذي الذكر، كما تقول: مررت بالرجل الكريم وبالنسمة المباركة، ولا تريد بالنسمة غير الرجل. والذكر: الشرف والشهرة، من قولك: فلان مذكور، ﴿وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ﴾ [الزخرف: ٤٤]؛ أو الذكرى والموعظة، أو ذكر ما يحتاج إليه في الدين من الشرائع وغيرها، كأقاصيص
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الراغب: فائدة ﴿بَلِ﴾ ها هنا تصحيح ما قبله وإبطال ما بعده. فإنه دل بقوله: ﴿والْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ﴾ أن القرآن مقر للتذكير وأن امتناع الكفار من الإصغاء إليه أن ليس موضعًا للذكر بل لتعززهم ومشاقتهم.
قوله: (ولا تريد بالنسمة غير الرجل)، فيكون من عطف الشيء على نفسه لكن هو من باب التجريد؛ جرد من الرجل آخر مثله متصف بصفة البركة، وعطفه عليه كأنه غيره وهو هو، قال في قوله تعال: ﴿وَلَقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَاءً﴾ [الأنبياء: ٤٨]، أي آتيناهما الفرقان وهو التوراة وأتينا به ضياء وذكرًا حيث أتى بالباء التجريدية في التفسير نحو: رأيت بك أسدًا.
قوله (أو ذكر ما يحتاج إليه في الدين)، الراغب: الذكر تارة يقال ويراد به: هيئة للنفس بها يتمكن الإنسان أن يحفظ ما يقتنيه من المعرفة وهو كالحفظ إلا أن الحفظ يقال اعتبارًا بإجرازه، والذكر اعتبارًا باستحضاره. وتارة يقال لحضور الشيء: القلب أو القول، ولذلك قيل: الذكر ذكران: ذكر بالقلب وذكر باللسان، وكل منهما ضربان: ذكر عن نسيان، وذكر لا عن نسيان؛ بل عن إدامة الحفظ، وكل قول يقال له ذكر. فمن الذكر باللسان قوله تعالى: ﴿لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ﴾ [الأنبياء: ١٠]، وقوله: ﴿ص والْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ﴾، وقوله: ﴿قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْرًا * رَسُولًا﴾ [الطلاق: ١٠ - ١١]، فقد قيل: الذكر هاهنا وصف للنبي ﷺ كما أن "كلمة" وصف لعيسى عليه السلام من حيث إنه ﷺ بشر به في الكتب المتقدمة فيكون قوله: "رسولًا" بدلًا منه.