غمر الجراء إذا قصرت عنانه.... بيدي استناص ورام جري المسحل
[﴿وعَجِبُوا أَن جَاءَهُم مُّنذِرٌ مِّنْهُمْ وقَالَ الكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ * أَجَعَلَ الآلِهَةَ إلَهًا واحِدًا إنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ﴾ ٤ - ٥]
﴿مُّنذِرٌ مِّنْهُمْ﴾: رسول من أنفسهم، ﴿وقَالَ الكَافِرُونَ﴾ ولم يقل: وقالوا؛ إظهارًا للغضب عليهم، ودلالة على أن هذا القول لا يجسر عليه إلا الكافرون المتوغلون في الكفر، المنهمكون في الغي، الذين قال فيهم: ﴿أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا﴾ [النساء: ١٥١]، وهل ترى كفرًا أعظم وجهلًا أبلغ من أن يسموا من صدقه الله بوحيه كاذبًا، ويتعجبوا من التوحيد، وهو الحق الذي لا يصح غيره، ولا يتعجبوا من الشرك، وهو الباطل الذي لا وجه لصحته؟ ! روي: أن إسلام عمر رضي الله عنه فرح به المؤمنون فرحًا شديدًا، وشق على قريش، وبلغ منهم، فاجتمع خمسة وعشرون نفسًا من صناديدهم، ومشوا إلى أبي طالب، وقالوا: أنت شيخنا وكبيرنا، وقد علمت
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (غمر الجراء) البيت، أي: كثير المجاراة، واستناص: طلب النوص، أي: الفوت، و"المسحل" حمار الوحش. يصف فرسًا. الراغب: ناص إلى كذا: التجأ إليه، وناص عنه: ارتد، ينوص نوصًا، والمناص: الملجأ.
قوله: (ومشوا إلى أبي طالب)، الحديث من رواية الإمام أحمد بن حنبل والترمذي عن ابن عباس، قال: مرض أبو طالب، فجاءت قريش وجاءه النبي ﷺ وعند أبي طالب مجلس رجل، فقام أبو جهل كي يمنعه من الجلوس فيه، قال: وشكوه إلى أبي طالب، فقال: يا ابن أخي ما تريد من قومك؟ قال: "أريد منهم كلمة تدين لهم بها العرب وتؤدي إليهم العجم الجزية" قال: كلمة واحدة؟ ! فقال: "يا عم قولوا: لا إله إلا الله" فقالوا: إلهًا واحدًا؟ ! ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة إن هذا إلا اختلاق، فنزل فيهم القرآن.


الصفحة التالية
Icon