القول. يجوز أن يراد بالانطلاق: الاندفاع في القول، وأنهم قالوا: امشوا، أي: اكثروا واجتمعوا، من: مشت المرأة؛ إذا كثرت ولادتها، ومنه: الماشية؛ للتفؤل، كما قيل لها: الفاشية، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ضموا فواشيكم". ومعنى ﴿وَاصْبِرُوا عَلى آلِهَتِكُمْ﴾: واصبروا على عبادتها والتمسك بها؛ حتى لا تزالوا عنها. وقرئ: (وانطلق الملأ منهم امشوا) بغير ﴿أَنِ﴾ على إضمار القول. وعن ابن مسعود: (وانطلق الملأ منهم يمشون أن اصبروا). ﴿فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ﴾: في ملة عيسى التي هي آخر الملل؛ لأن النصارى يدعونها وهم مثلثة غير موحدة. أو: في ملة قريش التي أدركنا عليها آباءنا. أو: ما سمعنا بهذا كائنا في الملة الآخرة، على أن يجعل ﴿فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ﴾ حالًا من ﴿هَذَا﴾، ولا يعلقه بـ ﴿مَا سَمِعْنَا﴾ كما في الوجهين. والمعنى: أنا لم نسمع من أهل الكتاب ولا من الكهان أنه يحدث في الملة الآخرة توحيد الله. ما ﴿هذا إِلاَّ اخْتِلاقٌ﴾ أي: افتعال وكذب.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليعلم أن ليس المراد أن"انطلق" متضمن معنى القول، نحو "إني أحمد إليك فلانًا"، ولا يجوز أيضًا أن يقدر القول بأن يقال: ﴿وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ﴾ قائلين: أن امشوا؛ لأن ﴿أَن﴾ المفسرة دافعة لذلك.
قال المصنف في قوله تعالى: ﴿مَا قُلْتُ لَهُمْ إلاَّ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ﴾ [المائدة: ١١٧]: أما فعل القول فيحكى بعده الكلام من غير أن يوسط بينهما حرف التفسير، لا نقول: ما قلت لهم إلا أن اعبدوا الله، ولكن ما قلت لهم إلا اعبدوا الله. وقلت: لأن المفسرة تقتضي سبق المبهم لتوضحه وتبين أن المعني به القول، والقول لا يفتقر إلى البيان.
قوله: (كما في الوجهين)، يعني: الظرف كان معلقًا بقوله: ﴿سَمِعْنَا﴾ على أن يراد بالملة الآخرة ملة عيسى، أو قريش على أن يراد بها الملة المتجددة، وهي: ما جاء بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، يكون حالًا من اسم الإشارة أي: ما سمعنا أن يتجدد مثل هذه في الملة الآخرة؛ لأن الظرف حينئذ مستقر وبيان لاسم الإشارة وعلى الأولين كان لغوًا.


الصفحة التالية
Icon