[﴿أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنا بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْ ذِكْرِي بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذابِ * أَمْ عِنْدَهُمْ خَزائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ * أَمْ لَهُمْ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما فَلْيَرْتَقُوا فِي الْأَسْبابِ * جُنْدٌ ما هُنالِكَ مَهْزُومٌ مِنَ الْأَحْزابِ﴾ ٨ - ١١]
أنكروا أن يختص بالشرف من بين أشرافهم ورؤسائهم وينزل عليه الكتاب من بينهم، كما قالوا: ﴿لَوْلا نُزِّلَ هَذَا القُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِّنَ القَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ﴾ [الزخرف: ٣١]، وهذا الإنكار ترجمة عما كانت تغلي به صدورهم من الحسد على ما أوتي من شرف النبوة من بينهم. ﴿بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ﴾ من القرآن، يقولون في أنفسهم: إما وإما. وقولهم: ﴿إنْ هَذَا إلاَّ اخْتِلاقٌ﴾ كلام مخالف لاعتقادهم فيه يقولونه على سبيل الحسد. ﴿بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذابِ﴾ بعد، فإذا ذاقوه زال عنهم ما بهم من الشك والحسد حينئذ، يعني: أنهم لا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (فإذا ذاقوه زال عنهم ما بهم من الشك والحسد)، يريد أن الاضراب الثاني متعلق بالكلامين بمعنى: لما وبخهم أولًا على ما بهم من الحسد وما تغلي به صدورهم على رسول الله ﷺ بما اختص بشرف النبوة من بينهم، ثم على الشك فيما لا شك فيه ولا يحوم حوله، جاء بتوبيخ أغلط منهما أي: بل لم يذوقوا عذابي بعد، وإذا ذاقوه زال عنهم ما بهم من الحسد والشك. والظاهر أن قوله تعالى: ﴿بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْ ذِكْرِي﴾ متصل بفاتحة السورة، أي: بـ ﴿ص والْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ﴾؛ لأنهما حديثان في الذكر. ومن قوله: ﴿وعَجِبُوا أَن جَاءَهُم مُّنذِرٌ﴾ إلى ههنا حديث في النبوة، فيكون ﴿بَلِ﴾ إضرابًا عما أثبت في الإضراب السابق كأنه لما قيل: أقسمت بـ ﴿ص والْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ﴾، أن صدقه ظاهر وحقيقته مكشوف ﴿بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ﴾: في عناد واستكبار عن الإذعان لذلك، وفي شقاق لله ولرسوله، ثم عقب بقوله: ﴿وعَجِبُوا أَن جَاءَهُم مُّنذِرٌ مِّنْهُمْ﴾ مستطردًا، وبين تعجبهم بقوله: ﴿أَجَعَلَ الآلِهَةَ إلَهًا واحِدًا﴾ بناء على التقليد، ثم بقوله: ﴿أَؤُنزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنَا﴾ بناء على الحسد، فهم من ذلك: أنهم مترددون في أنفسهم في أن القرآن: إما حق وإما باطل كما قال: يقولون في أنفسهم: إما وإما، فحين نظروا إلى نظمه وإعجازه قالوا: حق، وحين نظروا إلى التقليد إلى أنهم أحق به منه قالوا: هو باطل، فأضرب الله تعالى عن إثبات العزة والشقاق بقوله:


الصفحة التالية
Icon