يصدقون به إلا يمسهم العذاب مضطرين إلى تصديقه. ﴿أَمْ عِندَهُمْ خَزَائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ﴾ يعني: ما هم بمالكي خزائن الرحمة حتى يصيبوا بها من شاؤوا ويصرفوها عمن شاؤوا، ويتخيروا للنبوة بعض صناديدهم، ويترفعوا بها عن محمد عليه السلام. وإنما الذي يملك الرحمة وخزانها العزيز القاهر على خلقه، الوهاب الكثير المواهب المصيب
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
﴿بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِّن ذِكْرِي﴾، وحين كان بناء الشك على شبهة ركيكة ومقدمة واهية لا تقاوم ذلك اليقين، أضرب عنه بقوله: ﴿بَل لَّمَّا يَذُوقُوا عَذَابِ﴾. ثم جيء بإضراب آخر على أسلوب غير الأول وهو قوله: ﴿أَمْ عِندَهُمْ خَزَائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ﴾. وقال الزجاج: وجه اتصال ﴿أَمْ﴾ عندهم بقوله: ﴿أَؤُنزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ﴾ هو: أنهم لما حسدوا النبي ﷺ بما آتاه الله من فضل النبوة أعلم الله تعالى أن الملك له، والرسالة إليه يصطفي من يشاء ويؤتي الملك من يشاء وينزل الرحمة على من يشاء.
وقلت: إلى معنى هذا الترقي ينظر قول من قال:
ألا قل لمن ظل لي حاسدًا.... أتدري على من أسات الأدب؟
أسأءت على الله في حكمه.... لأنك لم ترض لي ما وهب
قوله: (ويترفعوا بها عن محمد صلوات الله عليه)، الجوهري: الرفع: خلاف الوضع، رفعته فارتفع، ورفع رفعة، أي: ارتفع قدره.
قوله: (العزيز القاهر على خلقه)، المتصرف في ملكه كيف يشاء، ليس لأحد أن يمنعه من ذلك يهب لمن يشاء ما يشاء، ولذلك أردف بقوله: ﴿أَمْ لَهُم مُّلْكُ السَّمَوَاتِ﴾. وأما معنى المبالغة في ﴿الْوَهَّابِ﴾: فراجع إلى خطر الموهبة وعظمها، وهي: النبوة. هذا أنسب مما قال: " ﴿الْوَهَّابِ﴾: الكثير المواهب" إلى آخره. وفيه: أن النبوة ليست بمكتسبة، بل هي موهبة ربانية يختص بها من يشاء من عباده، وأن يقسمها على ما تقتضيه حكمته وعدالته اعتزال خفي.