بها بين يديه. ﴿أُوْلَئِكَ الأَحْزَابُ﴾: قصد بهذه الإشارة الإعلام بأن الأحزاب الذين جعل الجند المهزوم منهم هم هم، وأنهم هم الذين وجد منهم التكذيب. ولقد ذكر تكذيبهم أولًا في الجملة الخبرية على وجه الإبهام، ثم جاء بالجملة الاستثنائية فأوضحه فيها: بأن كل واحد من الأحزاب كذب جميع الرسل؛ لأنهم إذا كذبوا واحدًا منهم فقد كذبوهم جميعًا. وفي تكرير التكذيب، وإيضاحه بعد إبهامه، والتنويع في تكريره بالجملة الخبرية أولًا وبالاستثنائية ثانيًا، وما في الاستثنائية من الوضع على وجه التوكيد والتخصيص: أنواع من المبالغة المسجلة عليهم باستحقاق أشد
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (هم هم)، يعني: أن المشار إليه بقوله: ﴿أُوْلَئِكَ الأَحْزَابُ﴾ السابق وهو جنس الأحزاب، يدلك عليه وجوه:
أحدها: قوله: "من الكفار المتحزبين على رسل الله"، و"من" للتبعيض.
وثانيها: قوله: "ثم جاء بالجملة الاستثنائية فأوضحه بها"، بأن كل واحد من الأحزاب كذب جميع الرسل.
وثالثها: قوله: "ويجوز أن يكون إشارة إلى جميع الأحزاب"، أي: الأحزاب المذكورة في قوله تعالى: ﴿قَوْمُ نُوحٍ وعَادٌ وفِرْعَوْنُ ذُو الأَوْتَادِ * وثَمُودُ وقَوْمُ لُوطٍ وأَصْحَابُ الأَيْكَةِ أُوْلَئِكَ الأَحْزَابُ﴾ ولما أن أسماء الإشارة تقتضي أن يكون المشار إليه محسوسًا أو في حكم المحسوس، قال لاستحضارهم بالذكر أو لأنهم كالحضور عند الله.
قال صاحب"الانتصاف": كرر لفظ الأحزاب في الموضعين؛ تنبيهًا على أن الأولين والآخرين من واد واحد في التحزب على الأنبياء.
قوله: (في الجملة الخبرية)، وهي: ﴿أُوْلَئِكَ الأَحْزَابُ﴾ لم يرد بها الخبرية التي في مقابلة الطلبية؛ لأن الجملة الاستثنائية أيضًا خبرية، بل يراد بها مطلق الإخبار عن المعنى الواقع، فإنه في مقابلة الاستثنائي.