العقاب وأبلغه. ثم قال: ﴿فَحَقَّ عِقَابِ﴾ أي: فوجب لذلك أن أعاقبهم حق عقابهم. ﴿هَؤُلاَءِ﴾: أهل مكة، ويجوز أن يكون إشارة إلى جميع الأحزاب؛ لاستحضارهم بالذكر، أو لأنهم كالحضور عند الله. والصيحة: النفخة، ﴿مَّا لَهَا مِن فَوَاقٍ﴾ - وقرئ بالضم- ما لها من توقف مقدار فواق؛ وهو ما بين حلبتي الحالب ورضعتي الراضع. يعني: إذا جاء وقتها لم تستأخر هذا القدر من الزمان، كقوله تعالى: ﴿فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَاخِرُونَ سَاعَةً﴾ [النحل: ٦١] وعن ابن عباس: ما لها من رجوع وترداد، من:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (أي: فوجب لذلك أن أعاقبهم)، يريد أن الفاء في قوله: ﴿إن كُلٌّ إلاَّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ عِقَابِ﴾ جزاء شرط محذوف، وتقديره: أن هؤلاء الجند المهزوم من أهل مكة هم من جملة الأحزاب، وحكمهم حكمهم في أنهم لما كذبوا الرسل استوجبوا العقاب.
قوله: (لاستحضارهم بالذكر)، كما الفرزدق في قوله:
أولئك آبائي فجئني بمثلهم.... إذا جمعتنا يا جرير المجامع
أحضرهم في مشاهدة جرير، ثم أشار إليهم كما يشار إلى المحسوسين.
قوله: (وقرئ بالضم)، حمزة والكسائي: "فواق" بضم الفاء، والباقون: بفتحها.
قال محيي السنة: فرق بعضهم بين الفتح والضم، قال الفراء وأبو عبيدة: الفتح بمعنى الراحة والإفاقة، كالجواب من الإجابة، من إفاقة المريض. والضم ما بين الحلبتين، وهو أن تحلب الناقة ثم تترك ساعة حتى يجتمع اللبن ثم تحلب. وقيل أيضًا: هما مستعاران من الرجوع؛ لأن اللبن يعود إلى الضرع بين الحلبتين، وإفاقة المريض رجوعه إلى الصحة، وعليه قول ابن عباس.


الصفحة التالية
Icon