فيتزوجها إذا أعجبته، وكانت لهم عادة في المواساة بذلك قد اعتادوها، وقد روينا: أن الأنصار كانوا يواسون المهاجرين بمثل ذلك، فاتفق أن عين داود وقعت على امرأة رجل يقال له: أوريا، فأحبها، فسأله النزول له عنها، فاستحيا أن يرده، ففعل، فتزوجها وهي أم سليمان، فقيل له: إنك مع عظم منزلتك وارتفاع مرتبتك وكبر شأنك وكثرة نسائك، لم يكن ينبغي لك أن تسأل رجلًا ليس له إلا امرأة واحدة النزول، بل كان الواجب عليك مغالبة هواك وقهر نفسك والصبر على ما امتحنت به. وقيل: خطبها أوريا ثم خطبها داود، فآثره أهلها، فكان ذنبه أن حطب على خطبة أخيه المؤمن، مع كثرة نسائه. وأما ما يذكر، أن داود عليه السلام تمنى منزلة آبائه إبراهيم وإسحاق ويعقوب، فقال: يا رب إن آبائي قد ذهبوا بالخير كله، فأوحي إليه: إنهم ابتلوا ببلايا فصبروا عليها: قد ابتلي إبراهيم بنمروذ، وذبح ولده، وإسحاق بذبحه وذهاب بصره، ويعقوب بالحزن على يوسف. فسأل الابتلاء، فأوحي إليه: إنك لمبتلى في يوم كذا، فاحترس. فلما حان ذلك اليوم دخل محرابه وأغلق بابه، وجعل يصلي ويقرأ الزبور، فجاءه الشيطان في صورة حمامة من ذهب، فمد يده ليأخذها لابن له صغير، فطارت، فامتد إليها، فطارت فوقعت في كوة، فتبعها، فأبصر امرأة جميلة قد نقضت شعرها فغطى بدنها، وهي امرأة أوريا، وهو من غزاة البلقاء، فكتب إلى أيوب بن صوريا،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (وقد روينا: أن الأنصار كانوا يواسون المهاجرين بمثل ذلك)، روينا في"صحيح البخاري" عن ابن عوف قال: "آخى رسول الله ﷺ بيني وبين سعد بن الربيع، فقال لي سعد: إني أكثر الأنصار مالًا فأقاسمك مالي شطرين، ولي امرأتان فانظر أيتهما شئت حتى أنزل لك عنها فإذا حلت تزوجتها، فقلت: لا حاجة لي في ذلك، دلوني على السوق" الحديث.
قوله: (البلقاء)، هو موضع، قال رحمه الله: سمعت أعرابيًا يقول: أرضها بلد الزعفران