إلا أن يضرب داود الخلطاء ابتداءً مثلًا لهم ولقصتهم.
فإن قلت: الملائكة عليهم السلام كيف صح منهم أن يخبروا عن أنفسهم بما
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ناقدة ورؤية ثاقبة لالتباسه في كثير من المواضع بالعقلي الحقيقي لاسيما المعاني التي ينتزع منها، فربما انتزع من ثلاثة فأورث الخطأ لوجوب انتزعه من أكثر، ولعل الظاهر أن يجعل التشبيه من المركب العقلي؛ لأن الوجه حينئذ هو الزبدة والخلاصة من المجموع، وهو إظهار البغي والظلم وتقبيح أمر الباعي والظالم، فلا يدخل في المعنى الخلط، وإن شئت فجرب هذا من قول المصنف في تفسير قوله تعالى: ﴿وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ﴾ [البقرة: ٢٦٥]، الآية. فإنه حين جعل الوجه عقليا قال: ومثل نفقة هؤلاء في زكاتها عند الله كمثل جنة، وحين جعل الوجه وهميًا قال: أو مثل حالهم عند الله بالجنة على الربوة، ونفقتهم الكثيرة والقليلة بالوابل والطل، وكما أن كل واحد من المطرين يضاعف أكل الجنة، فكذلك نفقتهم كثيرة كانت أو قليلة بعد أن يطلب بها وجه الله زاكية عند الله زائدة في زلفاهم، وعلى هذا قوله بعد هذا: "وقيل: إن الخصمين كانا من الإنس، وكانت الخصومة على الحقيقة بينهما، إما كانا خليطين في الغنم، وإما كان أحدهما موسرًا" إلى آخره.
الانتصاف: إذا جعل تمثيلًا كان الذي سبق إلى فهم داود منه ظاهره في النعاج والشاة، ثم انتقل عنه إلى فهم تمثيله بحاله، وعلى الاستعارة يكون قد فهم التحاكم في النساء ثم استشعر أنه المراد.
قوله: (إلا أن يضرب داود الخلطاء ابتداءً ومثلًا لهم)، يعني: يصح جعلها مستعارًا إذا جعل قوله: ﴿وإنَّ كَثِيرًا مِنَ الخُلَطَاءِ﴾ [ص: ٢٤]، تذييلًا للكلام على سبيل التمثيل، كقول الحطيئة:


الصفحة التالية
Icon