أولاده، جهلًا منكم به وبحقيقته المخالفة لحقائق الأجسام والأعراض، كأنه قال: لو أراد اتخاذ الولد لم يزد على ما فعل من اصطفاء ما يشاء من خلقه؛ وهم الملائكة، إلا أنكم لجهلكم به حسبتم اصطفاءهم اتخاذهم أولادًا، ثم تماديتم في جهلكم وسفهكم فجعلتموهم بنات، فكنتم كذابين كفارين متبالغين في الافتراء على الله وملائكته، غالين في الكفر، ثم قال: ﴿سُبْحَانَهُ﴾ فنزه ذاته عن أن يكون له أحد ما نسبوا إليه
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لاصطفى من خلقه بعضه ويختصهم ويقربهم كما يختص الرجل ولده ويقربه، وقد فعل ذلك بالملائكة، ولا خفاء أن هذا الاصطفاء ليس من اتخاذ الولد في شيء، فإذا محال أن يتخذ ولدًا. تلخيصه: أنه لو أراد أن يتخذ ولدًا لكان الطريق إلى ذلك ما يمتنع أن يكون طريقًا وهو اصطفاء الملائكة، وإليه أشار بقوله: "لو أراد اتخاذ الولد لم يزد على ما فعل"، ونظيره من حيث المبالغة قوله تعالى: ﴿لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى﴾ قال: أريد أن يقال: لا يذوقون فيها الموت البتة، فوضع قوله: ﴿إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى﴾ [الدخان: ٥٦] موضع ذلك؛ لأن الموتة الماضية محال ذوقها في المستقبل. وقال الإمام: المعنى لو أراد الله أن يتخذ ولدًا لما رضى إلا بالأكمل وهو الابن، فكيف نسبتم إليه البنت؟ كقوله تعالى: ﴿أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ إِنَاثًا﴾ [الإسراء: ٤٠] تم كلامه.
فإن قيل: الكلام غير وارد في اتخاذ الإناث حتى يرد إلى الذكور، بل في نفي الولد مطلقًا. قلت: إذن لا ينبغي أن يكون المفروض في قوله: ﴿مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ﴾ الملائكة، بل غيرهم ممن هو أعلى مرتبة منهم وأقرب نسبة إلى الله وإلى الألوهية؛ ليصح الترقي من اتخاذ الملائكة والمسيح ولدًا إليهم، ولهذا جيء بالتنزيه والتوحيد الصرف، وتم المعنى بوصف القهارية وكلمه بدليلي الآفاق والأنفس، يعني: قوله: ﴿خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ﴾ وقوله: ﴿خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ﴾ الآية. ثم بين غناه عن الخلق بقوله: ﴿إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ﴾.