من الأولاد والأولياء. ودل على ذلك بما ينافيه؛ وهو أنه واحد، فلا يجوز أن يكون له صاحبه؛ لأنه لو كانت له صاحبة لكانت من جنسه، ولا جنس له؛ وإذا لم يتأت أن يكون له صاحبة؛ لم يتأت أن يكون له ولد، وهو معنى قوله: ﴿أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهث صَاحِبَةٌ﴾ [الأنعام: ١٠١]. وقهار: غلاب لكل شيء، ومن الأشياء آلهتهم، فهو يغلبهم، فكيف يكونون له أولياء وشركاء؟
[﴿خَلَقَ السَّمَوَاتِ والأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ ويُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ وسَخَّرَ الشَّمْسَ والْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُّسَمًّى أَلا هُوَ العَزِيزُ الغَفَّارُ﴾ ٥]
ثم دل بخلق السماوات والأرض، وتكوير كل واحد من الملوين على الآخر، وتسخير النيرين، وجريهما لأجل مسمى، وبث الناس على كثرة عددهم من نفس واحدة، وخلق الأنعام، على أنه واحد لا يشارك، قهار لا يغالب. والتكوير: اللف واللي، يقال: كار العمامة على رأسه، وكورها. وفيه أوجه؛ منها: أن الليل والنهار خلفة يذهب هذا ويغشى مكانه هذا، وإذا غشي مكانه فكأنهما ألبسه ولف عليه كما يلف اللباس على اللابس، ومنه قول ذي الرمة في وصف السراب:
تلوي الثنايا بأحقيها حواشيه.... لي الملاء بأبواب التفاريج
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (تلوي الثنايا بأحقيها)، البيت. الثنية: العقبة، والثنايا: جمع، والحقو: الخصر مشد الإزار. حواشيه: جوانب السراب، والملاء جمع ملاءة، وهي: الجلباب، والتفراج -بالجيم- الباب الصغير، وجمعه التفاريج. يقول: تلوي الهضاب بأوساطها حواشي السراب مثل لي المرط بأبواب الدار، وليها بالدار هو أن لا يطرد اطرادًا.
والحاصل أن الآية تحتمل ثلاثة أوجه من التشبيه:
أحدها: أن يكون من تشبيه المحسوس بالمحسوس، والوجه أمور، ولكن في حكم واحد وهو تشبيه الهيئة الحاصلة من اختلاط الليل بالنهار عند طلوع الفجرين وظهور


الصفحة التالية
Icon