ومنها: أن كل واحد منهما يغيب الآخر إذا طرأ عليه، فشبه في تغييبه إياه بشيء ظاهر لف عليه ما غيبه عن مطامح الأبصار. ومنها: أن هذا يكر على هذا كرورًا متتابعًا، فشبه ذلك بتتابع أكوار العمامة بعضها على أثر بعض. ﴿أَلَا هُوَ الْعَزِيزُ﴾ الغالب القادر على عقاب المصرين ﴿الْغَفَّارُ﴾ لذنوب التائبين،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الخيطين، في قوله: ﴿فَالِقُ الْإِصْبَاحِ﴾ [الأنعام: ٩٦] بالهيئة الحاصلة من لف اللباس على اللابس بحيث لا يطرد اللباس في التستر كما يرى من لي الهضبات حواشي السراب، ولي الملاء بأبواب التفاريج في بيت ذي الرمة.
وثانيها: تشبيه محسوس بمحسوس والوجه واحد حقيقة. شبه غشيان كل واحد من الليل والنهار الآخر في قوله تعالى: ﴿يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ﴾ [الأعراف: ٥٤] وقوله: ﴿وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ﴾ [يس: ٣٧] بشيء ظاهر لف ما غيبه عم مطامح الأبصار.
وثالثها: يحتمل أن يكون تمثيلًا بأن يشبه حالة كرور الليل والنهار ومجيء أحدهما في أثر بعض وما يتصل بها من المنافع كقوله: ﴿جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا﴾ [الفرقان: ٦٢] بحالة تتابع أكوار العمامة بعضها عقيب بعض وما يتصل بها من الحسن، فإنها كالتيجان للعرب وما يحصل من التغيير وتبديل الأحوال، كما قال الحماسي:
أشاب الصغير وأفنى الكبيـ.... ــــر كر الغداة ومر العشي
فإن قلت: هل يعد ما في الآية تشبيهًا كما صرح به المصنف؟ قلت: لا، بل استعارة، فإن قوله: ﴿يُكَوِّرُ﴾ إما مستعار للاختلاط على الأول، وإما للغشيان في الثاني، وإما للتتابع في الثالث، والمستعار له غير مذكور، وذكره التشبيه توطئة وبيان لطريق الاستعارة؛ لأن الاستعارة متفرعة على التشبيه.
قوله: (﴿الْغَفَّارُ﴾ لذنوب التائبين)، الانتصاف: ولمن شاء من المصرين دون الشرك على ما سبق.


الصفحة التالية
Icon