أو: الغالب الذي يقدر على أن يعالجهم بالعقوبة وهو يحلم عنهم ويؤخرهم إلى أجل مسمى، فسمى الحلم عنهم مغفرةً.
[﴿خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ واحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا وأَنزَلَ لَكُم مِّنَ الأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِّنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلاثٍ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ المُلْكُ لا إلَهَ إلاَّ هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ﴾ ٦]
فإن قلت: ما وجه قوله: ﴿ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا﴾ وما يعطيه من معنى التراخي؟ قلت: هما آيتان من جملة الآيات التي عددها دالًا على وحدانيته وقدرته: تشعيب هذا الخلق الفائت للحصر من نفس آدم، وخلق حواء من قصيراه؛ إلا أن أحداهما جعلها الله عادة مستمرة، والآخرى لم يجر بها العادة، ولم تخلق أنثى غير حواء من قيصرى رجل، فكانت أدخل في كونها آية، وأجلب لعجب السامع، فعطفها بـ ﴿ثُمَّ﴾ على الآية الأولى؛ للدلالة على مباينتها لها فضلًا ومزية، وتراخيها عنها فيما يرجع إلى
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (أو الغالب الذي يقدر أن يعاجلهم)، إلى قوله: (فسمى الحلم عنهم مغفرة)، وقلت: هذا أوفق لتأليف النظم؛ لأن قوله: ﴿ألَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ﴾ مقابل لقوله: ﴿ألَا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ﴾ لأنه تعالى ذكر أولًا ما يدل على الدين من ذكر الكتاب، وأنه منزل من لدن عزيز حكيم، وأنه إنما نزل ملتبسًا بالحق ليترتب عليه العبادة والإخلاص وكان قوله: ﴿ألَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ﴾ تذييلًا له، وذكر بعده ما يدل على عظم شأن ما نسبوا إليه من الشرك والأولاد وما دل على تنزيهه عن ذلك، وأنه منفرد بالإلهية قهار خالق للأشياء كلها، ثم ذيله بقوله: ﴿ألَا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ﴾ توكيدًا لتفظيع معنى ما نسبوا إليه، فلابد من تفسيره بما قال: "الغالب الذي يقدر أن يعاجلهم وهو يحلم عنهم".
قوله: (وخلق حواء)، عطف على "تشعيب"، وهما بدلان من قوله: "آيتان"، و"هما" ضمير مبهم مفسر بـ"آيتان".
قوله: (قصيراه)، وهو الضلع الأسفل، وهو أقصر الضلوع.