زيادة كونها آية، فهو من التراخي في الحال والمنزلة، لا من التراخي في الوجود. وقيل: ﴿ثُمَّ﴾ متعلق بمعنى ﴿وَاحِدَةٌ﴾، كأنه قيل: خلقكم من نفس وحدت، ثم شفعها الله بزوج. وقيل: أخرج ذرية آدم من ظهره كالذر، ثم خلق بعد ذلك حواء. ﴿وَأَنْزَلَ لَكُمْ﴾: وقضى لكم وقسم؛ لأن قضاياه وقسمه موصوفة بالنزول من السماء، حيث كتب في اللوح كل كائن يكون. وقيل: لا تعيش الأنعام إلا بالنبات، والنبات لا يقوم إلا بالماء، وقد أنزل الماء، فكأنه أنزلها. وقيل: خلقها في الجنة، ثم أنزلها. ﴿ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ﴾: ذكرًا وأنثى من الإبل والبقر والضأن والمعز. والزوج: اسم لواحد معه آخر، فإذا انفرد فهو فرد ووتر، قال الله تعالى: ﴿فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى﴾ [القيامة: ٣٩]. ﴿خَلْقًا مِن بَعْدِخَلْقٍ﴾: حيوانًا سويًا، من بعد عظام مكسوة لحمًا، من بعد عظام عارية، من بعد مضغ، من بعد علق، من بعد نطف. والظلمات الثلاثة: البطن والرحم والمشيمة. وقيل: الصلب والرحم والبطن. ﴿ذَلِكُمُ﴾ الذي هذه أفعاله هو ﴿اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ المُلْكُ لا إلَهَ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (فهو من التراخي في الحال والمنزلة، لا من التراخي في الوجود)، قال صاحب "الفرائد": أي مانع يمنع من أن يكون التراخي في الوجود، لعل خلق حواء من آدم بعد مدة.
قلت: المانع جعل قوله: {ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا﴾ معطوفًا على قوله: ﴿خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ واحِدَةٍ﴾ عطف الجملة على الجملة، ولا شك أن تشعيب الخلق الفائت للحصر من آدم لم يكن مقدمًا على خلق حواء من ضلع آدم، ولهذا لما أراد ذلك المعنى عدل من الظاهر وأوله على وجهين: أحدهما: قال: "وقيل: ﴿ثُمَّ﴾ متعلق بمعنى ﴿وَاحِدَةٍ﴾ "، أي: أنها صفة لـ ﴿نَفْسٍ﴾ معطوفة على ﴿وَاحِدَةٍ﴾ على تأويل "وحدت"، إذ لو قيل: "وحدت" بدلها لصح على منوال "فأصدق وأكن"، وثانيهما: وقيل: أخرج ذرية آدم من ظهره كالذر ثم خلق بعدها حواء، فالمراد من قوله: ﴿خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ﴾ أخرج الذرية من ظهره، فيكون من عطف الجملة على الجملة على هذا التأويل، و ﴿ثُمَّ﴾ على حقيقتها، ولا يخفى على ذي دربة بالأساليب أن التأويل الأول أولى وأبعد من التعسف.