..................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
غني عنكم وعن شكركم، حميد ومستوجب للحمد لكثرة نعمة فإن لم تحمدوه أنتم بحمده غيركم ممن هو خير منكم، كقوله تعالى: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلَاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ﴾ [الأنعام: ٨٩] فإن المرا بـ ﴿قَوْمًا﴾: الأنبياء والصحابة. وكقوله: ﴿فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لَا يَسْأَمُونَ﴾ [فصلت: ٣٨] كأنه قيل: وإن تكفروا فإني غني عنكم وعن شكركم؛ لأن لي عبادًا مكرمين ما أرضى أن ينزل الكفر بساحتهم ويحل قريبًا من دارهم، يشكرون نعمتي ولا يكفرونها، ومع ذلك إن تشكروا وترجعوا عما أنتم فيه أرض الشكر لكم وأدخلكم في زمرة المرتضين من عبادي، فإني غفور شكور. وستقف إن شاء الله في سورة "الشورى" عند قوله تعالى: ﴿اللهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ﴾ على كلام في تخصيص لفظ عباده بالمصطفين.
انظر أيها المتأمل الناقد البصير بين التأويلين، واعجب بحصى عقول أهل السنة والجماعة، واقطع بأنهم هم المحدثون الملهمون، ومن مشكاة النبوة مقتبسون، وعلى آثار السلف الصالح مقتفون، ولأمثالهم هداة، وإلى دين الله دعاة، أيقال: غواة، اللهم غفرًا.
وقال صاحب "الانتصاف": إن المصر على قلبه رين، وفي ميزان نظره غين، ولا يخفى أن وجود المشروط قبل الشرط ممتنع عقلًا ونقلًا، فإرادة الله الشكر مقدمة لوجوده منهم، فكيف يسوغ حمل الرضا على الإرادة وقد جعل في الآية شرطًا وجزاء، وجعل وقوع الشكر شرطًا والرضا جزاء؟ فيلزم تقدم الشكر على الإرادة. والزمخشري أحد من يقول: إذا كان الجزاء ماضيًا مخصًا لزمته الفاء، نحو: إن تكرمني فقد أكرمتك قبل، وقد عريت الآية عن الحرف المذكور على أنه لا بد من تأويل يصحح الشرطية، فإذا بطل حمل الرضا على الإرادة، وجب حمله على المجازاة على الشكر بالكرامة، أي: وإن تشكروا يجزكم عليه الجزاء المرضي عنه، والمجازاة مستقبلة بالنسبة إلى الشكر، ومثله: ﴿وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ﴾ أي: لا يجازي عليه جزاء الراضي للمرضي عليه، بل جزاء المغضوب عليه.