بأوطانهم وبلادهم، وأنهم لا يتمكنون فيها من التوفر على الإحسان، وصرف الهمم إليه قيل لهم: فإن أرض الله واسعة وبلاده كثيرة، فلا تجثموا مع العجز، وتحولوا إلى بلاد أخر، واقتدوا بالأنبياء والصالحين في مهاجرتهم إلى غير بلادهم؛ ليزدادوا إحسانًا إلى إحسانهم وطاعةً إلى طاعتهم. وقيل: هو الذين كانوا في بلد المشركين فأمروا بالمهاجرة عنه، كقوله تعالى: ﴿أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ وَاسِعَةٌ فَتُهَاجِرُوا فِيهَا﴾ [النساء: ٩٧]. وقيل: هي أرض الجنة. و ﴿الصَّابِرُونَ﴾: الذين صبروا على مفارقة أوطانهم وعشائرهم، وعلى غيرها؛ من تجرع الغصص، واحتمال البلايا في طاعة الله وازدياد الخير. ﴿بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾: لا يحاسبون عليه. وقيل: بغير مكيال وغير ميزان يغرف لهم غرفًا، وهو تمثيل للتكثير. وعن ابن عباس رضي الله عنهما: لا يهتدي إليه حساب الحساب ولا يعرف. وعن النبي صلى الله عليه وسلم: "ينصب الله الموازين يوم القيامة، فيؤتى بأهل الصلاة فيوفون أجورهم بالموازين،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ولا أذن سمعت، فوضع ﴿الصَّابِرُونَ﴾ موضع الضمير للغلبة، وهاهنا أيضًا نكتة سرية وهي أن اسم الإشارة في قوله: ﴿فِي هَذِهِ الدُّنْيَا﴾ كما هو في قوله:
هذا أبو الصقر فردًا في محاسنه
لا كما في قوله: ﴿وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ﴾ للإشعار بأن الدار الدنيا نعم الدار إن جعلت مكانًا للعمل وحرثًا للآخرة.
قوله: (لا يهتدي إليه حساب الحساب)، مثال لقوله: "لا يحاسبون عليه"، أي: لا حساب ولا اهتداء إليه. وقوله: "وعن النبي صلى الله عليه وسلم: ينصب الله الموازين" الحديث: مثال لقوله: "بغير مكيال وغير ميزان"، فإنه لما قال أولًا: "يغرف لهم غرفًا" جاء بقوله: "ويصب عليهم الأجر صبًا"، فتطابقا. وحاصل معنى الآية: ما يوفى الصابرون أجرهم إلا بغير حساب؛ لأن الحصر في ﴿إِنَّمَا﴾ هو في القيد الأخير؛ لأنه فرغ ﴿مَا﴾ و ﴿إِلَّا﴾ وفيه معنيان: أحدهما: أنوفيه معنيان: أحدهما: أن