ويؤتى بأهل الصدقة فيوفون أجورهم بالموازين، ويؤتى بأهل الحج فيوفون أجورهم بالموازين، ويؤتى بأهل البلاء فلا ينصب لهم ميزان ولا ينشر لهم ديوان، ويصب عليهم الأجر صبًا، قال الله تعالى: ﴿إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾، حتى يتمنى أهل العافية في الدنيا أن أجسادهم تقرض بالمقاريض مما يذهب به أهل البلاء من الفضل".
[﴿قُلْ إنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ * وأُمِرْتُ لأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ المُسْلِمِينَ * قُلْ إنِّي أَخَافُ إنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ * قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَّهُ دِينِي * فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُم مِّن دُونِهِ قُلْ إنَّ الخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وأَهْلِيهِمْ يَوْمَ القِيَامَةِ أَلا ذَلِكَ هُوَ الخُسْرَانُ المُبِينُ﴾ ١١ - ١٥]
﴿قُلْ إنِّي أُمِرْتُ﴾ بإخلاص الدين ﴿وأُمِرْتُ﴾ بذلك ﴿لِـ﴾ أجل أن ﴿أَكُونَ أَوَّلَ المُسْلِمِينَ﴾ أي: مقدمهم وسابقهم في الدنيا والآخرة، ولمعنى: أن الإخلاص له السبقة في الدين، فمن أخلص كان سابقًا. فإن قلت: كيف عطف ﴿أُمِرْتُ﴾ على ﴿أُمِرْتُ﴾ وهما واحد؟ قلت: ليسا بواحد؛ لاختلاف جهتيهما؛ وذلك أن الأمر بالإخلاص وتكليفه شيء، والأمر به ليحرز القائم به قصب السبق في الدين شيء، وإذا اختلف
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
حكم الغير بخلافه، وعليه ظاهر الحديث الذي أورده. المعنى: من جمع بين الصبر والصلاة والصدقة والحج لا يكون أجره كأجر من أفرد تلك الطاعات؛ لأن ذلك الصبر لا يعتد به إذا أتى به مفردًا. والثاني: أن لا يكون أجر صبر هؤلاء كأجر صلاتهم وصدقتهم وحجهم، فالمراد بأجرهم على الأول ما ينسب إليهم، وعلى الثاني أجر صبرهم، ودلالة الآية عل معنى الحديث من حيث تخصيص وصف الصابرين وترتب الثواب عليه نحو: "في سائمة الغنم زكاة" ودلالتها على المعنى الثاني من أداة الحصر، والله أعلم.
قوله: (وذلك أن الأمر بالإخلاص وتكليفه شيء)، يعنى: إذا كرر المعنى ليناط به معنى زائد كان المجموع غير المفرد، فالتقدير: أمرت بإخلاص الدين وأمرت بذلك؛ لأن أكون