وفي معناه أوجه: أن أكون أول من أسلم في زماني ومن قومي؛ لأنه أول من خالف دين آبائه وخلع الأصنام وحطمها. وأن أكون أول الذين دعوتهم إلى الإسلام إسلامًا، وأن أكون أول من دعا نفسه إلى ما دعا إليه غيره؛ لأكون مقتدى بي في قولي وفعلي جميعًا، ولا تكون صفتي صفة الملوك الذين يأمرون بما لا يفعلون، وأن أفعل ما أستحق به الأولية من أعمال السابقين؛ دلالة على السبب بالمسبب، يعني: أن الله
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (وفي معناه أوجه)، أي: في معنى الأولية وجوه أربعة، ومدار الوجوه على وجهين: أحدهما: السبق بحسب الزمان. وثانيهما: بحسب المعنى.
والوجه الأول على وجوه:
أحدها: أن يراد بالأولية أول المخالفين لغير دين الإسلام الدافعين لما يضاد الإيمان، قال تعالى: ﴿فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [النساء: ٨٤] فإن دفع نقيض الشيء إثبات له، كقول المنافقين: ﴿إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ﴾ [البقرة: ١٤] وهو من قوله تعالى: ﴿قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ [الأنعام: ١٤].
وثانيها: أن يراد بالأولية أول الموافقين والمدعوين إلى الإسلام وإليه الإشارة بقوله: "أول الذين دعوتهم إلى الإسلام إسلامًا"، والداعي إلى الشيء ينبغي أن يكون متحليًا به.
وثالثها: أن يراد بالسبق السبق بحسب الدعوة، فإن الأفضل أن من يدعو الغير إلى خلق كريم أن يدعو نفسه إليه أولًا، ويتخلق به حتى يؤثر في الغير سنة الأنبياء والصالحين لا الملوك والمتجبرين، والفرق بين هذا الوجه والوجه السابق أن الأول مطلق وهذا مقيد.
الانتصاف: هذا الوجه أحسن الوجوه. والوجه الثاني: أن يراد بالسبق السبق بالقدم والأعمال الصالحة، وهو المراد من قوله: "وأن أفعل ما أستحق به الأولية" كقوله تعالى: ﴿وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُولَئكَ الْمُقَرَّبُونَ﴾ [الواقعة: ١٠ - ١١]، وهذا الوجه أوفق للتأليف على ما سبق. فقوله: "إسلامًا" الظاهر أنه تمييز وبيان لما أبهم في الأولية.
قوله: (دلالة على السبب بالمسبب)، يعني: أطلق التقدم في الإسلام وأراد الأعمال