أمرني أن أخلص له الدين من الشرك والرياء وكل شوب، بدليل العقل والوحي، فإن عصيت ربي بمخالفة الدليلين، استوجبت عذابه، فلا أعصيه ولا أتابع أمركم، وذلك حين دعوه إلى دين آبائه. فإن قلت: ما معنى التكرير في قوله: ﴿قُلْ إنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ﴾ وقوله: ﴿قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَّهُ دِينِي﴾ قلت: ليس بتكرير؛ لأن الأول إخبار بأنه مأمور من جهة الله بإحداث العبادة والإخلاص. والثاني: إخبار بأنه يختص الله وحده دون غيره بعبادته مخلصًا له دينه؛ ولدلالته على ذلك قدم المعبود على فعل العبادة وأخره في الأول، فالكلام أولًا واقع في الفعل نفسه، وإيجاده، وثانيًا فيمن يفعل الفعل لأجله؛ ولذلك رتب عليه قوله: ﴿فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُم مِّن دُونِهِ﴾، والمراد بهذا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الصالحة؛ لأن الأعمال سبب في السبق، على أن من لم يأت من المؤمنين بالأعمال حاصل في منزلة بين المنزلتين عندهم، وعند المحدثين والسلف الصالح هو من إطلاق الكل على البعض؛ لأن الأعمال ركن من ركني الإسلام.
قوله: (فإن عصيت ربي بمخالفة الدليلين)، هذا بيان اتصال هذه الآية بما سبق، يعني: ما ذكرت من الأمر بالإخلاص في الدين والتبري من الشرك والرياء هو ما عرفته بالدليلين، أي: العقل والوحي.
قوله: (ليس بتكرير)، وتلخيص الجواب: أن الأول: إخبار عن كونه كان مأمورًا بإيجاد الإخلاص. والثاني: إخبار عن أنه امتثل لذلك الأمر وأوجد المأمور به، ولذلك قدم المفعول على الفعل، وقد تقرر عند أصحاب المعاني أنهم إذا قدموا على الفعل معموله آذنوا بتقرير الفعل والترديد في المعمول، كأنهم قالوا له: اعبد ما نعبد لنعبد ما تعبد، كما قال في ﴿الْكَافِرُونَ﴾ يا محمد هلم فاتبع ديننا ونتبع دينك، تعبد إلهنا سنةً ونعبد إلهك سنة، فأجاب هاهنا بما أجاب هناك بقوله: ﴿لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ﴾ [الكافرون: ٦]، ﴿قُلِ اللهَ أَعْبُدُ﴾، ﴿فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُم﴾، فهو بين القصر الإفرادي، وبهذا سقط قول ابن الحاجب والتمسك بمثل ﴿بَلِ اللهَ فَاعْبُدْ﴾ ضعيف؛ لأنه جاء ﴿فَاعْبُدِ اللهَ﴾ و ﴿اعْبُدُوا اللهَ﴾.