الأمر الوارد على وجه التخيير: المبالغة في الخذلان والتخلية، على ما حققت فيه القول مرتين. ﴿قُلْ إِنَّ﴾ الكاملين في الخسران الجامعين لوجوهه وأسبابه: هم ﴿الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ﴾؛ لوقوعها في هلكة لا هلكة بعدها، ﴿وَ﴾ خسروا ﴿أَهْلِيهِمْ﴾؛ لأنهم إن كانوا من أهل النار فقد خسروهم كما خسروا أنفسهم، وإن كانوا من أهل الجنة فقد ذهبوا عنهم ذهابًا لا رجوع بعده إليهم. وقيل: وخسروهم؛ لأنهم لم يدخلوا مدخل المؤمنين الذين لهم أهل في الجنة، يعني: وخسروا أهليهم الذين كانوا يكونون لهم لو آمنوا، ولقد وصف خسرانهم بغاية الفظاعة في قوله: ﴿أّلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ﴾؛ حيث استأنف الجملة وصدرها بحرف التنبيه، ووسط الفصل بين المبتدإ والخبر، وعرف الخسران، ونعته بالمبين.
[﴿لَهُم مِّن فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِّنَ النَّارِ ومِن تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ﴾ ١٦]
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (على ما حققت فيه القول مرتين)، أحدهما: في هذه السورة في قوله: ﴿قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا﴾، وثانيهما في قوله: ﴿فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ﴾ [الكهف: ٢٩].
قوله: (﴿قُلْ إِنَّ﴾ الكاملين في الخسران)، هذا من إفادة تعريف الجنس، نحو ﴿ذّلِكَ الْكِتَابُ﴾ بالبقرة: ٢]، وحاتم الجواد. وقوله: "الجامعين لوجوهه" بيان له. قال في قوله: هو الرجل، أي: الكامل في الرجولية الجامع لما يكون في الرجال من مرضيات الخصال، يعني: إنما يطلق اسم الجنس على فرد من أفراده إذا اجتمع فيه الخصائل المعتبرة في ذلك، فكأنه لذلك الجنس كله. وقوله: "هم الذين خسروا" إشارة إلى ما يعطيه التركيب من معنى الاختصاص، وفي إعادة ﴿الَّذِينَ خَسِرُوا﴾ في الخبر بعد ذكر ﴿الْخَاسِرِينَ﴾ مبالغة أخرى.
قوله: (وقيل: وخسروهم؛ لأنهم لم يدخلوا مدخل المؤمنين)، وعلى هذا المراد بالأهل: ما يعد الأهل في الجنة من الحور والغلمان وغيرهم، وفيه تتميم، كأنه قيل: خسروا رأس المال والربح. وقوله: ﴿أَلَا ذّلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ﴾ تذييل، ولهذا قال: "ولقد وصف خسرانهم بغاية الفظاعة".


الصفحة التالية
Icon