﴿وَمِنْ تَحْتِهِمْ﴾ أطباق من النار هي ﴿ظُلَلٌ﴾ لآخرين، ﴿ذّلِكَ﴾ العذاب هو الذي يتوعد ﴿اللهُ بِهِ عِبَادَهُ﴾ ويخوفهم؛ ليجتنبوا ما يوقعهم فيه. ﴿يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ﴾ ولا تتعرضوا لما يوجب سخطي، وهذه عظة من الله تعالى ونصيحة بالغة. وقرئ: (يا عبادي).
[﴿والَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَن يَعْبُدُوهَا وأَنَابُوا إلَى اللَّهِ لَهُمُ البُشْرَى فَبِشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ القَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الأَلْبَابِ﴾ ١٧ - ١٨]
﴿الطَّاغُوتَ﴾: فعلوت؛ من الطغيان، كالملكوت والرحموت، إلا أن فيها قلبًا بتقديم اللام على العين، أطلقت على الشيطان أو الشياطين؛ لكونها مصدرًا وفيها مبالغات؛ وهي التسمية بالمصدر، كأن عين الشيطان ظغيان، وأن البناء بناء مبالغة؛ فإن الرحموت: الرحمة الواسعة، والملكوت: الملك المبسوط؛ والقلب وهو للاختصاص؛ إذ لا تطلق
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (هي ﴿ظُلَلٌ﴾ لآخرين)، يريد أن ظللًا إنما يكون من فوق، فلما خصت بقوله: ﴿مِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ﴾ نبه على الإدماج. وأن طبقة هؤلاء المشركين ظلة لآخرين وهم المنافقون؛ لقوله تعالى: ﴿إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ﴾ [النساء: ١٤٥] و ﴿مِنْ تَحْتِهِمْ﴾ إما عطف جملة على ﴿مِنْ فَوْقِهِمْ﴾ و ﴿ظُلَلٌ﴾ على ﴿ظُلَلٌ﴾ أو يقدر ﴿لَهُمْ﴾ فيكون عطف جملة على جملة؛ لأن ﴿لَهثمْ﴾ خبر و ﴿ظُلَلٌ﴾ مبتدأ و ﴿مِنَ النَّارِ﴾ صفة و ﴿مِنْ فَوْقِهِمْ﴾ يجوز أن يكون حالًا من ﴿ظُلَلٌ﴾ أو متعلقًا بالخبر ﴿وَأَهْلِيهِمْ﴾ ظلل كائنة من فوقهم.
قوله: ﴿ذَلِكَ﴾ العذاب هو الذي يتوعد ﴿اللهُ بِهِ عِبَادَهُ﴾)، هذا تصحيح لمعنى ﴿يُخَوِّفُ اللهُ بِهِ عِبَادَهُ﴾ وأنه خبر لذلك، والمشار إليه ما سبق.
قوله: (والقلب)، أي: ومن المبالغات القلب، وحكمه حكم أسماء الأجناس إذا غلب على إحدى مسمياتها بأن تجعل مع الألف واللام علمًا له، فإن المصدر كما قال "فعلوت" من "الطغيان" يطلق على من طغى وتجاوز فيه الحد، ثم قلب وغلب على الشيطان، وإليه