ويجوز أن ينتصب على المدح، ﴿غَيْرَ ذِي عِوَجٍ﴾: مستقيمًا بريئًا من التناقض والاختلاف.
فإن قلت: فهلا قيل: مستقيمًا، أو غير معوج؟ قلت: فيه فائدتان؛ إحداهما: نفي أن يكون فيه عوج قط، كما قال: ﴿وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا﴾ [الكهف: ١]. والثانية: أن لفظ العوج مختص بالمعاني دون الأعيان. وقيل: المراد بالعوج: الشك واللبس. وأنشد:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (نفي أن يكون فيه عوج قط)، وذلك من طريق الكتابة، فإنه إذا لم يكن صاحب عوج، فأن لا يكون معوجًا فبالطريق الأولى، كقوله: ﴿وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا﴾ [الكهف: ١]، أي: عوجًا وما يقال له عوج.
قوله: (والثانية: أن لفظ العوج مختص بالمعاني دون الأعيان)، معناه: أن المطلوب أن يقال: إن معانيه صحيحة مستقيمة لا ترى فيها اختلافًا، كما قال: ﴿وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا﴾ [النساء: ٨٢] فلو قيل: غير معوج، لفهم أن ألفاظه مستقيمة وكان تكريرًا؛ لأن قوله: ﴿قُرْآنًا عَرَبِيًّا﴾ دل على ذلك، أو لأن العوج إذا استعمل في الأعيان دل على بلوغه في الاستقامة إلى حد لا يدرك العقل فيه خللًا كما ذكره في "طه".
قوله: (والثاني: أن لفظ العوج مختص بالمعاني دون الأعيان)، قال الزجاج: العوج -بكسر العين- فيما لا يرى له شخص، وما كان شخصًا قلت فيه: عوج -بالفتح- تقول: في دينه عوج، وفي العصا عوج، فإذن لا بد من "ذي"، أي: غير ذي معانٍ مائلٍ عن الاستقامة.
الانتصاف: تقدم له في "طه" الاعتذار عن استعمال العوج المكسورة في الأشخاص في قوله: ﴿لَا عِوَجَ لَهُ﴾ بأن الأشياء التي تستوي في العادة لا تخلو عن عوج، وإن دق عن البصر ينفرد بإدراكه العقل، وبين أن الأرض بلغت من الاستواء إلى الحد الحقيقي الذي لا يدرك العقل فيه خللًا، فعبر عنه بالمكسور العين؛ لكونه مشبهًا بالمعاني، وحاصله يجوز غير ذي عوج، والمراد: ألفاظ القرآن.


الصفحة التالية
Icon